الإعجاز العلمي - الأرض وعلوم البحار



أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ
تاريخ المقال : 17/6/2010 | عدد مرات المشاهدة : 12142

العلامة الشيخ عبد المجيد الزنداني
رسم قديم يوضح الإله المزعوم نبيتون يقف على عربته التي تجرها جياد بيضاء على رؤؤس الأمواج
رئيس جامعة الإيمان في صنعاء رئيس مجلس شورى حزب
الإصلاح الإسلامي وعضو سابق في مجلس الرئاسة اليمنية
مؤسس الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة في مكة
لقد كانت البحار عالماً مجهولاً إلى القرن الثامن عشر الميلادي، كما كانت الخرافات والأساطير المتعلقة بالبحار تسود الحضارات القديمة، وكان الرومان يعتقدون بأن قمم الأمواج جياد بيضاء تجر عربة الإله (نبتون)[1] بزعمهم، وكانوا يقومون بالطقوس والاحتفالات لإرضاء هذه الآلهة، وكانوا يعتقدون بوجود أسماك مصاصة لها تأثيرات سحرية على إيقاف السفن، وكان لليونانيين مثل هذه الاعتقادات كما كان بحارتهم يعزون سبب الدوامات البحرية إلى وجود وحش يسمونه كاربيدس يمتص الماء ثم يقذفه[2]، ولم يكن بمقدور الإنسان معرفة أعماق الشواطئ الضحلة والمياه الراكدة ناهيك عن معرفة البحار العميقة والحركات الداخلية في هذه المياه، كما لم يكن بإمكان الإنسان الغوص في هذه الشواطئ إلا في حدود عشرين متراً ولثواني معدودة ليعاود التنفس من الهواء الجوي، وحتى بعد ابتكار أجهزة التنفس للغواصين لم يتمكن الإنسان من الغوص أكثر من ثلاثين متراً نظراً لازدياد ضغط الماء على جسم الغواص مع زيادة العمق والذي يعادل عند عمق ثلاثين متراً أربعة أضعاف الضغط الجوي على سطح الأرض[3] وعندئذٍ يذوب غاز النتروجين في دم الغواص ويؤثر على عمل مخه فيفقده السيطرة على حركاته[4] ويصاب الغواصون نتيجة لذلك بأمراض تعرف في الطب بأمراض الغواصين، أما إذا نزل الغواص إلى أعماق بعيدة فإن ضغط الماء يكفي لهرس جسمه.
التسلسل الزمني لاكتشاف أعماق البحار:
* في عام1300 م استخدم صيادو اللؤلؤ أول نظارات واقية مصنوعة من صدف السلاحف.[5]
صورة لقارورة التنفس (سكوبا Scuba)
* في عام 1860م تم اكتشاف أحياء في قاع البحر المتوسط باستخدام حبل حديدي (كيبل).
* في عام 1865م تم ابتكار مجموعة غطس مستقلة بواسطة كل من (روكايرول ودينايروز)
* في عام 1893م تمكن بوتان من إلتقاط صور تحت الماء.[6]
* في عام 1920م تم استخدام طريقة السبر بالصدى (صدى الموجات الصوتية) لمعرفة الأعماق.
* في عام 1930م تمكن كل من بارتون وبيبس من أن يغوصا بأول كرة أعماق حتى عمق 3028 قدماً وابتكار (أقنعة الوجه والزعانف وأنبوب التنفس).
* في عام 1938م تم ابتكار قارورة للتنفس (سكوبا Scuba) وابتكار صمام التنفس من قبل الكابتن كوستو ودوماس.
* في عام 1958م تم إجراء تجارب الاختبارات على غواصة الأعماق (الستينيات) وابتكار (ابرس) غلاصم[7] للتنفس تحت الماء وتجربتها لأول مرة.
صورة لأول غواصة أعماق تم أنتاجها في عام 1960
* وتمكن الإنسان من الغوص إلى أعمق بقعة في المحيط الهادي[8]، كما تمكن من البقاء في أعماق البحر لعدة أيام[9]، واكتشف الإنسان وجود فوهات في أعماق البحر[10]، وصنع الإنسان الغواصة الصفراء[11] والغواصات النووية.[12]
معلومات حديثة في علم البحار:
لم تبدأ الدراسات المتصلة بعلوم البحار وأعماقها على وجه التحديد إلا في بداية القرن الثامن عشر عندما توفرت الأجهزة المناسبة والتقنيات وصولاً إلى ابتكار الغواصات المتطورة. وبعد عام 1958م أي بعد ثلاثة قرون من البحوث والدراسات العلمية وعلى أيدي أجيال متعاقبة من علماء البحار توصل الإنسان إلى حقائق مدهشة منها:
1) ينقسم البحر إلى قسمين كبيرين:
أ- البحر السطحي الذي تتخلله طاقة الشمس وأشعتها.
ب- البحر العميق الذي تتلاشى فيه طاقة الشمس وأشعتها.
2) يختلف البحر العميق عن البحر السطحي في الحرارة والكثافة والضغط ودرجة الإضاءة الشمسية، والكائنات التي تعيش في كل منهما ويفصل بينهما موج داخلي.
3) الأمواج البحرية الداخلية Internal wave :
صورة للأمواج الداخلية أخذت بالأقمار الصناعية (المصدر موقع المرصد الفلك الشمال أوربي)
تغطي الأمواج الداخلية البحر العميق وتمثل حداً فاصلاً بين البحر العميق والبحر السطحي، كما يغطي الموج السطحي سطح البحر ويمثل حداً فاصلاً بين الماء والهواء ولم تكتشف الأمواج الداخلية إلا في عام 1904م[13].
 ويتراوح طول الأمواج الداخلية ما بين عشرات إلى مئات الكيلومترات كما يتراوح ارتفاع معدل هذه الأمواج ما بين 10 إلى 100متر تقريباً.
4) اشتداد الظلام في البحر العميق مع ازدياد عمق البحر حتى يسيطر الظلام الدامس الذي يبدأ من عمق (200متر) تقريباً ويبدأ عند هذا العمق المنحدر الحراري الذي يفصل بين المياه السطحية الدافئة ومياه الأعماق الباردة،كما توجد فيه الأمواج الداخلية التي تغطي المياه الباردة في أعماق البحر، وينعدم الضوء تماماً على عمق 1000متر تقريباً.أما فيما يتعلق بانتشار الظلمات في أعماق البحار فقد أدرك صيادوا الأسماك أن الضوء يمتص حتى في المياه الصافية وأن قاع البحر المنحدر ذا الرمال البيضاء يتغير لونه بصورة تدريجية حتى يختفي تماماً مع تزايد العمق وأن نفاذ الضوء يتناسب عكسياً مع ازدياد العمق.
 وأبسط جهاز علمي لقياس عمق نفاذ الضوء في مياه المحيط هو قرص سيتشى The Secchi Disk   ولكن على الرغم من كونه وسيلة سهلة لقياس اختراق الضوء للماء بدرجة تقريبية وعلى الرغم من استعماله على نطاق واسع فإن قياس الظلمات في ماء البحر بصورة دقيقة لم يتحقق إلا بعد استخدام الوسائل التصويرية في نهاية القرن الماضي[14] ثم بتطوير وسائل قياس شدة الضوء التي استخدمت الخلايا الكهرو ضوئية خلال الثلاثينيات، وبعد اختراع الإنسان أجهزة مكنته من الغوص إلى هذه الأعماق البعيدة وفي الهامش[15] معلومات عن شدة الضوء عند أعماق مختلفة من المحيط.أما البحار العميقة فالضياء منعدم فيها، والظلمات متراكمة، وتعتمد الكائنات الحية والأسماك التي تعيش فيها على الطاقة الكيميائية لتوليد الضوء الذي تستشعر به طريقها، وهناك أنواع منها عمياء تستخدم وسائل أخرى غير الرؤية لتلمس ما حولها.وتبدأ هذه الظلمات على عمق 200متر تقريباً وتختفي جميع أشعة الضوء على عمق 1000متر تقريباً حيث ينعدم الضوء تماماً، كما أن أغلب تركيب الأسماك في الأعماق يتكون من الماء لمواجهة الضغوط الهائلة.
ظلمات بعضها فوق بعض:
إن الظلام الدامس الذي يشتد من خمسمائة متر إلى ألف متر يتكون في أعماق البحار نتيجة لظلمات بعضها فوق بعض، وتنشأ لسببين رئيسين:
الشكل يظهر أثر الأمواج السطحية على عكس الضوء
1)  ظلمات الأعماق: يتكون شعاع الشمس من سبعة ألوان (الأحمر، البرتقالي، الأصفر، الأخضر، النيلي، البنفسجي، الأزرق) ولكل لون طول موجي خاص به[16] وتتوقف قدرة اختراق الشعاع الضوئي للماء على طول موجته فكلما قصر طول الموجة زادت قدرة اختراق الشعاع للماء، لذلك فإن شعاع اللون الأحمر يمتص على عمق 20متراً تقريباً ويختفي وجوده بعد ذلك، وينشأ عن ذلك ظلمة اللون الأحمر، فلو جرح غواص على عمق 25متراً تقريباً وأراد أن يرى الدم النازف فسيراه بلون أسود، بسبب انعدام شعاع اللون الأحمر، ويمتص الشعاع البرتقالي على عمق ثلاثين متراً تقريباً فتنشأ ظلمة أخرى تحت ظلمة اللون الأحمر هي ظلمة اللون البرتقالي، وعلى عمق 50متراً تقريباً يمتص اللون الأصفر، وعلى عمق 100متر تقريباً يمتص اللون الأخضر، وعلى عمق 125متر تقريباً يمتص اللون البنفسجي والنيلي، وآخر الألوان امتصاصاً هو اللون الأزرق على بعد 200متر تقريباً من سطح البحر. وهكذا تتكون ظلمات الألوان لشعاع الشمس بعضها فوق بعض، بسبب عمق الماء الذي تمتص فيه الألوان بأعماق مختلفة.
2)  ظلمات الحوائل:
وتشترك ظلمات الحوائل مع ظلمات الأعماق في تكوين الظلمات الدامسة في البحار العميقة، وتتمثل ظلمات الحوائل فيما يأتي:
أ- ظلمة السحب: غالباً ما تغطي السحب أسطح البحار العميقة نتيجة تبخبر الماء، وتمثل حائلاً نسبياً لأشعة الشمس[17 فتحدث الظلمة الأولى للحوائل والتي نراها ظلالاً لتلك السحب على سطح الأرض والبحار.
ب- ظلمة الأمواج السطحية: تمثل الأسطح المائلة للأمواج السطحية في البحار سطحاً عاكساً لأشعة الشمس، ويشاهد المراقب على الساحل مقدار لمعان الأشعة التي عكستها هذه الأسطح[18] المائلة للأمواج السطحية.
ج- ظلمة الأمواج الداخلية:
صورة عبر الأقمار الصناعي لمضيق جبل طارق يظهر يشير السهم إلى الأمواج الداخلية في المضيق المصدر
توجد أمواج داخلية تغشى البحر العميق وتغطيه، وتبدأ من عمق 70متر إلى 240متر[19 وتعلق ملايين الملايين من الكائنات الهائمة في البحار على أسطح الموجات الداخلية، وقد تمتد الموجة الداخلية إلى سطح البحر فتبدو تلك الكائنات الهائمة كأوساخ متجمعة على سطح البحر، مما يجعلها تمثل مع ميل الموج الداخلي حائلاً لنفاذ الأشعة إلى البحر العميق فتنشأ بذلك الظلمة الثالثة تحت ظلمتي السحب والموج السطحي.
ويتبين مما سبق أن الظلمات التي تراكمت في البحار العميقة عشر ظلمات وهي:
أ- ظلمات الأعماق: وهي سبع ظلمات بعضها فوق بعض تنشأ من التلاشي التدريجي لألوان الطيف السبعة.
ب- ظلمات الحوائل الثلاثة:
1- السحب 2- الموج السطحي 3- الموج الداخلي.
وهي أيضاً ظلمات بعضها فوق بعض.
الاكتشافات العلمية المتعلقة بالآية:
مما سبق يتبين أن العلم التجريبي قد اكتشف في فترة طويلة، خلال القرون الثلاثة الماضية، وبعد توفر الأجهزة الدقيقة، وبتضافر جهود أعداد كبيرة من الباحثين وعلماء البحار، الحقائق الآتية:
· وجود ظلمات في البحار العميقة.
· وأن هذه الظلمات بعضها فوق بعض.
· تزداد هذه الظلمات بالتدريج مع زيادة العمق حتى تنعدم الرؤية تماماً.
الشكل يبين الاختفاء التدريجي لألوان  الطيف المرئي مع زيادة الانخفاض عن سطح الماء
· وجود أمواج داخلية تغشى البحر العميق.
· تعمل الأمواج الداخلية بما عليها من الكائنات الهائمة على حجب الضوء.
· عدد الظلمات المتراكمة في البحار العميقة عشر ظلمات، سبع منها بسبب عمق الماء وثلاث بسبب الحوائل الثلاثة:السحاب، الموج السطحي، الموج العميق.
· تنقسم مياه البحر إلى قسمين:
أ- مياه البحر السطحي حيث توجد فيها طاقة الضوء.
ب- مياه البحر العميق التي تراكمت عليها الظلمات.
وصف القرآن لهذه الأسرار والحقائق البحرية :قال تعالى:﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ(40)﴾ [النور:40].
· أثبت القرآن وجود ظلمات في البحر العميق، وقيد وصف البحر بلفظ (لجى) ليعلم قارئ القرآن أن هذه الظلمات لاتكون إلا في بحر لجي أي عميق،﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ﴾ ويخرج بهذا القيد البحر السطحي الذي لا توجد فيه هذه الظلمات.
· وقد بين أهل اللغة والتفسير معنى لفظ (لجي)، فقال قتادة وصاحب تفسير الجلالين:لجي هو العميق، وقال الزمخشري:اللجي العميق الكثير الماء، وقال الطبري:ونسب البحر إلى اللجة بأنه عميق كثير الماء، وقال البشيري: هو الذي لا يدرك قعره واللجة معظم الماء، والجمع لجج، والتج البحر إذا تلاطمت أمواجه.
· وهذه الظلمات تتكون بسبب العمق في البحر اللجي، وهي ظلمات الأعماق التي سبق الإشارة إليها. قال تعالى﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ﴾. قال الزمخشري :(بظلمات متراكمة من لج البحر والأمواج والسحاب)،وقال الخازن:(كظلمات في بحر لجي أي عميق كثير الماء …معناه أن البحر اللجي يكون قعره مظلماً جداً بسبب غمورة الماء)وقال المراغي:(فإن البحر يكون مظلم القعر جداً بسبب غور الماء …).
· وذكر القرآن أن للبحر العميق موج يغشاه من أعلاه.
قال تعالى:﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ... ﴾ .
الشكل يوضح الحواجز التي تحجب النور (السحب ـ الأمواج السطحية ـ الأمواج الداخلية)
· وذكرت الآية وجود موج آخر فوق الموج الأول قال تعالى:﴿ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ... ﴾   …وهذه صفة للبحر وهي:وجود موجين في وقت واحد أحدهما فوق الآخر، وليست أمواجاً متتابعة على مكان واحد بل هي موجودة في وقت واحد، والموج الثاني فوق الموج الأول.
· وتشير الآية إلى أن فوقية الموج الثاني على الموج الأول كفوقية السحاب على الموج الثاني. قال تعالى:﴿ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ... ﴾.
· ذكرت الآية وجود موج يغشى البحر العميق ويغطيه كما ذكرت وجود موج ثان فوق الموج الأول، وهذا يستلزم وجود بحر فوق (الموج الأول والبحر العميق) وهو البحر السطحي الذي يغشاه الموج الثاني الذي فوقه السحاب.
· وأثبت القرآن دور هذه الحوائل الثلاثة في تكوين الظلمات في البحار العميقة وأن بعضها فوق بعض كما قال تعالى: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ(40)﴾ [النور:40] وهو ما فهمه بعض المفسرين:قال الإمام البغوي في تفسيره لهذه الآية: "ظلمة الموج الأول على ظلمة البحر، وظلمة الموج الثاني فوق الموج الأول وظلمة السحاب على ظلمة الموج الثاني". وقال الإمام ابن الجوزي في تفسيره: "ظلمات يعني ظلمة البحر وظلمة الموج الأول، وظلمة الموج الذي فوق الموج، وظلمة السحاب".
· اشتملت الآية على ذكر ظلمات الأعماق (السبعة) في أولها وظلمات الحوائل (الثلاثة) في آخرها
﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ...﴾.
صورة لغواصة أعماق في قاع المحيط تسبح في ظلام دامس حيث تحتاج إلى إضاءة عالية لرؤية ما حولها في مكان ينعدم فيه الضوء بشكل تام
· وذكرت الآية أن هذه الظلمات التي سبق ذكرها بسبب الأعماق أو الحوائل بعضها فوق بعض، وأستعمل القرآن لفظ ظلمات الذي تستعمله العرب للدلالة على جمع القلة، من الثلاثة إلى العشرة، فقبلها تقول ظلمة وظلمتان، وبعدها تقول إحدى عشرة ظلمة، ومن ثلاث إلى عشر تقول ظلمات كما هي في الآية، وهذا ما كشفه العلم كما سبق بيانه:سبع ظلمات للألوان متعلقة بالأعماق وثلاث ظلمات متعلقة بالحوائل (الموج الداخلي، والموج السطحي، والسحاب).
· وبينت الآية التدرج في اشتداد الظلام في البحار العميقة باستعمال فعل من أفعال المقاربة وهو (كاد) وجعلته منفياً. قال تعالى:﴿ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾ فدل هذا الاستعمال الدقيق على معنيين:
الأول: أن الذي يخرج يده في هذه الأعماق ليراها لايراها إلا بصعوبة بالغة، كما فهم ذلك بعض المفسرين، ومنهم المبرد والطبري.
الثاني: أن الذي يخرج يده في هذه الأعماق ليراها لايراها البتة، لأن فعل المقاربة كاد جاء منفياً، فإذا نفيت مقاربة الرؤية دلت على تمام نفي الرؤية، وهذا ما ذهب إليه بعض المفسرين، أمثال الزجّاج وأبو عبيده والفرّاء والنيسابوري. والآية استعملت تعبيراً يدل على المعنيين معاً، فتكون الرؤية بصعوبة في الأعماق القريبة، وتنتفي الرؤية تماماً في الأعماق البعيدة، على عمق 1000متر تقريباً كما مر بنا.
فتأمل كيف جاء التعبير القرآني الموجز دالاً على المعاني الصحيحة المتعددة.
وجه الإعجاز:
لقد ذكر القرآن الكريم معلومات دقيقة عن وجود ظلمات في البحار العميقة، وأشار إلى سبب تكوينها، ووصفها بأن بعضها فوق بعض، ولم يتمكن الإنسان من معرفة هذه الظلمات إلا بعد عام 1930م. وأخبر القرآن عن وجود موج داخلي في البحار لم يعرفه الإنسان إلا بعد عام 1900م، كما أخبر بأن هذا الموج الداخلي يغطي البحر العميق، الأمر الذي لم يعرف إلا بعد صناعة الغواصات بعد الثلاثينيات من القرن العشرين، كما أخبر القرآن عن دور الموج السطحي، والموج الداخلي في تكوين ظلمات في البحار العميقة، وهو أمر لم يعرف إلا بعد تقدم العلم في القرون الأخيرة. وما سبق من المعلومات لم يكتشفه الإنسان إلا بعد أن ابتكر أجهزة للبحث العلمي تمكنه من الوصول إلى هذه الأعماق، ودراسة هذه الظواهر، وبعد أن استغرق البحث فترة طويلة امتدت لثلاثة قرون من الزمن، واحتشد لها مئات الباحثين والدارسين حتى تمكنوا من معرفة تلك الحقائق. فمن أخبر محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الأسرار في أعماق البحار في وقتٍ كانت وسائل البحث العلمي فيه معدومة، والخرافة والأسطورة هي الغالبة على سكان الأرض في ذلك الزمان، وبخاصة في مجال البحار ؟كيف جاءه هذا العلم الدقيق بهذه الأسرار، وهو الرجل الأمي في أمة أمية وبيئة صحراوية، ولم يتيسر له ركوب البحر طوال حياته ؟
وحين عرضت هذه الحقائق على البرفسور (راو) وسئل عن تفسيره لظاهرة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة وكيف أُخبر محمد صلى الله عليه وسلم بهذه الحقائق منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام أجاب:(من الصعب أن نفترض أن هذا النوع من المعرفة العلمية كان موجوداً في ذلك الوقت منذ ألف وأربعمائة عام ولكن بعض الأشياء تتناول فكرة عامة ولكن وصف هذه الأشياء بتفصيل كبير أمر صعب جداً، ولذلك فمن المؤكد أن هذا ليس علماً بشرياً بسيطاً. لا يستطيع الإنسان العادي أن يشرح هذه الظواهر بذلك القدر من التفصيل ولذلك فقد فكرت في قوة خارقة للطبيعة خارج الإنسان، لقد جاءت المعلومات من مصدر خارق للطبيعية)[20].
إنه لدليل قاطع على أن هذا العلم الذي حملته هذه الآية قد أنزله الله الذي يعلم السر في السموات والأرض، كما قال تعالى:﴿قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا(6)﴾ [الفرقان:6] وقال تعالى:﴿لَكِنْ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا(166)﴾ [النساء:166] والقائل: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(53)﴾  [فصلت:53].
يمكن التواصل مع الشيخ على الإيميل التالي:
بعض المراجع:
الهوامش:


[1] أسرار المحيطات، دار الكتاب العربي، 1996م.
[2] Wikipedia, the Free Ency clopedig
[3] يزداد ضغط الماء على الغواص بمقدار ضغط جوي واحد كلما نزل على عمق عشرة أمتار.
[4] عند نزول الغواص إلى هذه الأعماق فإن غاز النتروجين يذوب في الدماء تحت الضغط العالي فإذا ما ارتفع الغواص فجاءة نتيجة لفقدان السيطرة على حركته فإن الضغط يخف ويخرج غاز النتروجين فائراً كما تخرج الغازات الذائبة في قارورة المياه الغازية عند رجها.
[5] في عام1520م استطاع ماجلان أن يعبر المحيط الهادي بمساعدة ملك البرتقال و في عام 1522م تمكنت هذه السفن من أن تبحر حول العالم.
[6] في عام 1872م تم إبحار السفينة “تشالنجر” في رحلة بحث علمية لدراسة البحار، مما ساعد على توفير معلومات علمية عن البحار.
[7] تشبه الخياشيم.
[8] في عام 1960م وفي الثالث والعشرين من يناير نزلت الغواصة (تريستا) وهي عبارة عن كرة من الصلب جدارها يبلغ سمكه 9 سنتمترات وبإمكانها الهبوط والصعود فقط وعلى متنها كلاً من:دونالد والش وجاكوى بيكارد وبعد أربع ساعات من الهبوط لمسافة 11كلم تم الوصول لأعمق منطقة في المحيط الهادي (خانق مريانا) واكتشف الإنسان لأول مرة بواسطة هذه الغواصة وجود براكين تحت الماء وعيون ماء حارة وكثير من الأحياء المائية.
[9] في عام 1962م تمكن غواصون من البقاء لمدة أسبوع في أول غرفة تشبع "كونشلفIa " وهي بيوت مائية للغواصين.
[10] في عام 1977م تم اكتشاف وجود حياة في فوهات أعماق البحار وعثرت مركبة (نوتايل) على فوهات في أعماق البحر قرب المكسيك يتدفق منها الماء وهو في درجة 350ْم وحين يرتفع ماءها فوق الصخور يتفاعل مع المعادن ليتحول إلى اللون الأسود ويصبح شبيهاً بالمدخنة، كما تم صناعة غواصة الأبحاث الأمريكية (ألفين) القادرة على الغوص إلى عمق 3650متر.
[11] في عام 1995م صمم البريطاني روبرت ليدز غواصة صفراء تشبه الصحن الطائر معدة للاستخدام التجاري ويمكن بها مراقبة الأسماك على عمق يصل إلى خمسين متراً.
[12] صناعة الغواصات النووية([18]):لم يكن باستطاعة الغواصات الصغيرة التي تعمل بالبطاريات من البقاء مغمورة في الماء أكثر من بضعة أيام فقام الإنسان بصناعة الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية والتي يمكنها البقاء لأكثر من سنتين وهي كبيرة الحجم وتحمل طاقماً كبيراً، وتعتبر الغواصة الروسية (تايفون) من أكبر الغواصات حيث تزن أكثر من 25ألف طن وطولها 172متراً، والغواصة الروسية كورست التي غرقت في أغسطس 2000م وهي تزن 18 ألف طن وعلى متنها 118فرداً في بحر بارتنس.
[13] يعود أول تفسير علمي لظاهرة الأمواج الداخلية للدكتور (ف.و. ايكمان V.W Ekman) في عام (1322هـ- 1904م) الذي فسر ظاهرة المياه الراكدة في الخلجان النروجية حين تفقد السفن التي تبحر قدرتها على التقدم فتقف ساكنة في هذه المياه الراكدة، كما لاحظ عالم المحيطات النرويجي (فريتوف نانسن Nansen) تعرض سفينته (فرام Fram) لهذه الظاهرة شمال جزيرة (تايمير) خلال عملية استكشاف القطب الشمالي ما بين (1311هـ-1893م) و (1314هـ-1896م) عند محاولة اجتياز منطقة القطب.
لذلك فقد قام نانسن بتشجيع ايكمان على البحث عن تفسير ظاهرة المياه الراكدة فكان رأي ايكمان على أنها تنجم عن الأمواج الداخلية التي تتولد في السطح الفاصل بين المياه السطحية والمياه العميقة للمحيط، وبعد زمن غير طويل وصف (أوتو باترسون Otto petterson) تأثير الأمواج الداخلية الطويلة التي تحدث في أعماق البحار على هجرة الأسماك من نوع (هيرنج herring) بالقرب من سواحل جوتلاند (Jutland) بالقرب من الساحل الغربي للسويد في فصل الصيف.
ويكون مرور الأمواج الداخلية محسوساً من سفن التنقيب عن النفط عندما يتغير ثقل المعوم المربوط بين سفينة الحفر وفتحه البئر الكائنة في قاع البحر بصورة مفاجئة وتم التعرف على هذه الأمواج الداخلية بأثيرها على حركة الغواصات.
[14] أول من وصفه في الكتب العلمية كلاً من سيلادى وسيشنى Ciladi and Secchi في عام 1281هـ-1865م وهو عبارة عن قرص أبيض ذى قطر معين يتم إنزاله في الماء ليسجل العمق الذي تتعذر رؤيته كنقطة قياسية ولايزال هذا القرص قيد الاستعمال حيث يكفى لتحديد قياس تقريبي لشفافية الماء.
[15] Fol, H. and Sarasin, E. 1884, Sur la penetration de la lumiere du jour dans les eaux du lac de Geneve: Com- ptes Rendus des seances do l’Academie des Sciences, pp 624-627.
[16] من المعروف الآن أن كمية الضوء التي تنفذ إلى أعماق البحار تتناقص تناقصاً رأسياً وفقاً لما يراه (جيرلوف Jerlov) فينخفض مستوى الإضاءة في مياه المحيط المكشوفة إلى نسبة 10 % عند عمق 35م من السطح وتنخفض إلى 1% عند عمق 85متر وإلى.1% عند عمق 135 م، وإلى.01% عند عمق 190م وإن أفاد بعض الذين قاموا بالدراسة والمراقبة من الغواصات لمدد طويلة أنهم تمكنوا من رؤية الضوء في أعماق تزيد على ذلك ويرى كلاً من (كلارك) و (دنتون) أن الإنسان يستطيع أن يرى الضوء المنتشر على عمق 850م، ومن الواضح أن الأسماك التي تعيش في أعماق البحار ترى أفضل من ذلك إلى حدٍ ما، وهي قادرة على اكتشاف الضوء المنتشر حتى عمق 1000متر مع أن شدة الضوء عند هذا العمق تبلغ [1×10-13 من شدته عند السطح].
[17] الأطوال الموجية.

[18] تقوم السحب بامتصاص جزء من الأشعة وتشتيت جزء آخر والسماح بنفاذ بقية الأشعة.
[19] إذا أحدثت موجات في إناء ماء كبير فإنك سترى ظلاً لتلك الأمواج في قاع الإناء.
[20] في مقابلة مع الدكتور/ فاروق الباز.
--------------------------------------------------------------------
اثبات كروية الأرض في كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل لأبن حزم الظاهري
تاريخ المقال : 18/6/2010 | عدد مرات المشاهدة : 6291



يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل
بقلم: الأستاذ سيف الدين محمد
بيروت - لبنان
يقول العلامة ابن حزم (30 رمضان 384 هـ / 7 نوفمبر 994م.قرطبة - 28 شعبان 456هـ / 15 اغسطس 1064م ولبة) رحمة الله في الجزء الثاني من كتابه "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (كتبه حوالي عام 400 هجري أي منذ ألف سنة) في باب مطلب بيان كروية الأرض ما نصه:
"قال أبو محمد وهذا حين نأخذ إن شاء الله تعالى في ذكر بعض ما اعترضوا به وذلك أنهم قالوا إن البراهين قد صحت بأن الأرض كروية والعامة تقول

علي بن حزم الأندلسي, طابع بريدي إسباني في ذكرى الفيته
غير ذلك وجوابنا وبالله تعالى التوفيق إن أحداً من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الإمامة بالعلم رضي الله عنهم لم ينكروا تكوير الأرض ولا يحفظ لأحد منهم في دفعه كلمة بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءت بتكويرها قال الله عز وجل: (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل )(الزمر 5). وهذا أوضح بيان في تكوير بعضها على بعض مأخوذٌ من كور العمامة وهو إدارتها وهذا نص على تكوير الأرض ودوران الشمس، كذلك وهي التي منها يكون ضوء النهار بإشراقها وظلمة الليل بمغيبها وهي آية النهار بنص القرآن قال تعالى:(وجعلنا آية النهار مبصرة) (الاسراء 12).
 فيقال لمن أنكر ما جهل من ذلك من العامة أليس إنما افترض الله عز وجل علينا أن نصلي الظهر إذا زالت الشمس فلابد من نعم، فيسألون عن معنى زوال الشمس فلابد من أنه إنما هو انتقال الشمس عن مقابلة من قابل بوجهه القرص واستقبل بوجهه وأنفه وسط المسافة التي بين موضع طلوع الشمس وبين

صورة للقمر الصناعي السوفيتي سبوتنيك
موضع غروبها في كل زمان وكل مكان وأخذها إلى جهة حاجبه الذي يلي موضع غروب الشمس وذلك إنما هو في أول النصف الثاني من النهار وقد علمنا أن المداين من معمور الأرض آخذة على أديمها من مشرق إلى مغرب ومن جنوب إلى شمال فيلزم من قال إن الأرض منتصبة الأعلى على غير مكورة أن كل من كان ساكناً في أول المشرق أن يصلي الظهر في أول النهار ضرورة ولابد إثر صلاة الصبح بيسير لأن الشمس بلا شك تزول عن مقابلة ما بين حاجبي كل واحد منهم في أول النهار ضرورة ولابد أن كان امر على ما تقولون ولا يحل لمسلم أن يقول إن صلاة الظهر تجوز أن تصلى قبل نصف النهار ويلزمهم أيضاً أن من كان ساكناً في آخر المغرب إن الشمس لا تزول عن مقابلة ما بين حاجبي كل واحد منهم إلا في آخر النهار فلا يصلون الظهر إلا في وقت لا يتسع لصلاة العصر حتى تغرب الشمس وهذا خارج عن حكم دين الإسلام وأما من قال بتكويرها فإن كل من ظهر الأرض لا يصلي الظهر إلا إثر انتصاف نهاره أبداً على كل حال وفي كل زمان وفي كل مكان ".

صورة للقمر الصناعي الأمريكي لونا9
اكتشاف كروية الأرض:
ولم تظهر كروية الأرض للناس وهي تسبح في الفضاء إلا عندما أطلق الروس القمر الصناعي الأول " سبوتنيك " في مداره حول الأرض في أكتوبر 1957م واستطاع العلماء الحصول على صور واضحة لكوكب الأرض بواسطة آلات التصوير التي كانت مثبتة في القمر الصناعي وفي عام 1966 م هبط القمر الصناعي " لونا 9" بأجهزته المتطورة على سطح القمر، وأرسل لمحطات الاستقبال على الأرض صوراً عن كوكب الأرض .
يستقبل الأستاذ سيف الدين محمد تعليقاتكم على المقالة على الإيميل التالي:
المرجع:
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

متاع الجبال .. اعجاز علمي
تاريخ المقال : 18/6/2010 | عدد مرات المشاهدة : 9813

دكتور أحمد مليجي
أستاذ الجيولوجيا والبيئة بالمركز القومي للبحوث – الدقي – القاهرة.
حينما ينظر الإنسان إلى الجبال الشاهقة تهوله ضخامتها وعظمتها، فهي من عجائب مخلوقات الله الجديرة بالتأمل والاهتمام، ولذا لفت المولى عز وجل الأنظار بالتفكر والتدبر في بديع خلق الله وصنائعه الظاهرة.
• قال تعالى: (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(17)وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ(18)وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ)(الغاشية 19)
من أقوال المفسرين
في قوله تعالى: » وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا، مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ « [النازعات:32-33].
جاء في تفسير الطبري:
"وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا" أي: وَالْجِبَال أَثْبَتَهَا فِيهَا، أَيْ أَثْبَتَهَا لَا تَمِيد بِأَهْلِهَا. والْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : "مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ" يَعْنِي أَنَّهُ خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاء، وَأَخْرَجَ مِنْ الْأَرْض مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا، مَنْفَعَة لَنَا، وَمَتَاعًا إِلَى حِين .
وجاء في تفسير القرطبي (رحمه الله) ‏: "وَالْجِبَال " بِالنَّصْبِ , أَيْ وَأَرْسَى الْجِبَال " أَرْسَاهَا " يَعْنِي : أَثْبَتَهَا فِيهَا أَوْتَادًا لَهَا، وقوله تعالى "مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ" أي " مَتَاعًا لَكُمْ " أَيْ مَنْفَعَة لَكُمْ " وَلِأَنْعَامِكُمْ " مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم .
وجاء في تفسير ابن كثير: وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا أي أقرها وأثبتها في أماكنها‏، وهو الحكيم العليم‏، الرؤوف بخلقه الرحيم‏. وقوله تعالى "مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ" أي كُلّ ذَلِكَ مَتَاعًا لِخَلْقِهِ وَلِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ الْأَنْعَام الَّتِي يَأْكُلُونَهَا وَيَرْكَبُونَهَا مُدَّة اِحْتِيَاجهمْ إِلَيْهَا فِي هَذِهِ الدَّار إِلَى أَنْ يَنْتَهِي الْأَمَد وَيَنْقَضِي الْأَجَل.
وجاء في تفسير الجلالين: " وَالْجِبَال أَرْسَاهَا " أي أَثْبَتَهَا عَلَى وَجْه الْأَرْض لِتَسْكُن، وقوله تعالى "مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ" " مَتَاعًا " مَفْعُول لَهُ لِمُقَدَّرٍ , أَيْ فَعَلَ ذَلِكَ مُتْعَة أَوْ مَصْدَر أَيْ تَمْتِيعًا " لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ " جَمْع نَعَم وَهِيَ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم.
ما هو الجبل؟؟
قال الله تعالى: "وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا" ﴿7﴾ سورة النبأ
(وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ)  سورة لقمان(10).
و (‏الجبل‏)‏ في اللغة هو المرتفع من الأرض ارتفاعاً ملحوظاً يجعله يعظم ويطول على ما حوله من الأرض، والجمع أجبال وجبال.
فالجبل - في القاموس الجيولوجي - عبارة عن جسم صخري هائل يرتفع عن (سطح الأرض) ويتميز بمنحدراته الحادة وقمته المستدقة.
ﻓﻬل ﻴﻔﻲ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺘﻌﺭﻴﻑ ﺍﻟﺠﺒل ﺤﻘﻪ ﺍﻵﻥ؟
حينما تتفق الآية القرآنية مع حقيقة علمية فهذا تأكيد لتلك الحقيقة وشاهد على إعجاز القرآن.
قال الله تعالى: "وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا" ﴿7﴾ سورة النبأ
إن وصف الجبال بالأوتاد هو أبلغ وصف لها؛ لم نكتشفه إلا حديثاً. والجبال تشبه الأوتاد شكلاً ودوراً، والحقيقة أنه لم يخطر على بال أحدٍ منذ 14 قرناً أن الجبال الشاهقة مثل جبال الألب أو الهمالايا لها جذور تغوص في الوشاح وأنها تشبه إلى حد كبير جبال الثلج العائمة على الماء، وأنه كلما زاد ارتفاع الجبل كلما ازداد غاطسه تحت السطح، وهذا هو السبب في اختلاف سمك القشرة الأرضية من مكان لآخر، فصخور القشرة كلها ما هي إلا عوامات على صخور الوشاح لأن الوزن النوعي للقشرة أقل من الوزن النوعي لصخور الوشاح.إ
اللغة المشتركة بين الجبال والإنسان
ذكر الله عز وجل في مواضيع عديدة من كتابة العزيز أن الجبال تسابق الإنسان في معرفة الله والخوف منه، فهناك لغة مشتركة بين الجبال والإنسان في معرفة حقوق المولى عز وجل من تسبيح دائم..
سجود وتصدع للجبال من خشية الله وإشفاق الجبل من حمل الأمانة
قال تعالى "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء" [الحج:18].
قال تعالى "لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ" [الحشر:21].
قال تعالى "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72].
بالرغم من ضخامة الجبال وعظمتها إلا أن هناك لغة مشتركة بين الجبال والإنسان وهي لغة تسبيح الله عز وجل، ولكن بلغة لا نعلمها ولا نعرفها، إنما يعرفها خالقها جل شأنه.
قال تعالى: "وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا، مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ"
الفرق بين الزينة والمتاع
تعرف الزينة في اللغة: بأنها اسم جامع لكل شيء يتزين به. والزّين ضد الشين. وزان الشيء زيّنه : حسّنه وجمّله وزخرفه. وتزين زينة أي صار موضع حسن وجمال.
أما تعريف المتـــاع: فهو كل شيء ينتفع به ويتبلغ به أو يتلذذ به، ويأتي عليه الفناء في الدنيا.
فالمتاع يرمز لكل المنافع والفوائد والخدمات التي تقدم للإنسان. ويعتبر المتاع أكثر منفعة من الزينة، ولبيان ذلك نجد أن الإنسان بإمكانه أن يعجب بزينة القصر الجميل ولكنه لا يستمتع به إلا إذا عاش فيه.
وإذا تأملنا هذه الآية العظيمة..وسأل سائل لماذا لم يقل المولى عز وجل: زينة لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ؟ أجيب فأقول: إن القرآن الكريم مليء بالتعبيرات الدقيقة، فنجد أن دقة التعبير في القرآن تجعل كلمة "متاع" توضع في المكان المناسب لتعبر عن الفائدة الحقيقية للجبال. ولو أن الله سبحانه وتعالى استخدم كلمة "زينة"، لما تنبه لذلك معظم الناس، والحقيقة أن كلام الله سبحانه وتعالى يأتي بقدر المعنى تماماً، وفي غاية الدقة ليعبر عن الشئ تعبيراً كاملاً، فلا تجد كلمة مترادفة أو بلا معنى!! فنجد أن المولى عز وجل قد وصف فائدة الجبال بأنها تحقق المتاع لكل من الإنسان والأنعام على السواء، ولقد استخدم المولى عز وجل كلمة "متاع" في الآية القرآنية السابقة ولم يستخدم كلمة "زينة"، وذلك لأن لفظ المتاع أعم وأكثر منفعة من الزينة، والمتاع يشمل الجانب المادي والجانب المعنوي للإنسان والأنعام على السواء، فلا يمكن الاستغناء عن المتاع لأنه من الضروريات، بينما تعتبر الزينة من الكماليات.
هل تحقق الجبال الراسيات المتاع للإنسان؟؟
أولا: معجزة إلقاء الجبال ومتاع الثروات المعدنية.
لقد أشار المولى عز وجل عن عملية تكوين الجبال، والتي لم يكتشفها العلم إلا حديثاً، فلقد قال المولى في كتابه العزيز "والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي" وتشير الآية الكريمة بإعجاز علمي بالغ الدقة إلى أن عملية تكون الجبال على سطح الأرض حدثت بطريقة الإلقاء على الأرض، وهذا الإلقاء تم جيولوجيًا عبر العصور نتيجة حدوث البراكين وما يقذفه من باطن الأرض الملتهب من خروج للحمم والصهارة إلى
ينبثق نتيجة للانفجارات البركانية حطام صخري صلب مختلف الأنواع والأحجام عادة في الفترة الأولى من الثوران البركاني .
 الأعلى ثم عودتها لتستقر على سطح الأرض. تحتوي السلاسل الجبلية المتنوعة على ثروات معدنية نفيسة (مايزيد عن 200 معدن تقريباً). قد يوجد المعدن في صورة عنصرية وذلك مثل الذهب أوالكبريت أوالجرافيت أو قد يتكون نتيجة حدوث اتحاد كيميائى بين عنصرين أو أكثر لتكوين مركب كميائى ثابت.
مما سبق يتبين لنا أنه من تمام نعم الله على الإنسان أنه ألقى الجبال على ظهر الأرض ليحقق المتاع العظيم للإنسان حتى يستفيد وينقب عن الثروات المعدنية النفيسة التي تخرج من باطن الأرض، والتي تشكل قاعدة التطور الصناعي والاقتصادي وأهمية استراتيجية لكل بلدان العالم. كما تستخدم الأحجار الجبلية في البناء والتشييد.
ثانياً: معجزة الجبال الرواسي ومتاع الإستقرار النفسي للإنسان
لقد أثبت العلم الحديث على وجه القطع أن للجبال جذوراً مغروسة في الأعماق. ولقد وصف القرآن الجبال بأن لها أوتاد فقال عز من قائل " وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا " (النبأ: 7). مما يتفق تمامًا مع دور الجبال على حواف القارات (الألواح) في تثبيت الأرض وهي ضمان لثبات القشرة الأرضية ومنعها من أن تضطرب ويختل توازنها وكما قال تعالى في ذلك "وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " (النحل:15).
أثبت العلم الحديث أنه إذا فحصنا طبقات الأرض من طبقة القشرة إلى النواة فإنه يزداد الوزن النوعي الكثافة للصخور تدريجياً حيث تزداد نسبة المركبات الحاوية على عنصر الحديد وأكاسيده المختلفة و ذلك مع اقترابنا من النواة
فالمرتفعات على سطح اليابسة لابد وأن يغلب على تكوينها صخور أقل كثافة من الصخور المحيطة بها‏،‏ ومن ثم فلابد وأن يكون لها امتدادات من صخورها الخفيفة نسبياً في داخل الصخور الأعلى كثافة المحيطة بها‏.
ولحساب امتداد عمق جذور أي من الجبال من خلال المعادلة التالية:
ماذا يحدث عند وجود هزة أرضية في ثوان معدودات؟.
• وبالرغم من استقرار الجبال وتثبيتها للأرض إلا أن الله عز وجعل قد جعل الهزات الأرضية لكي يبين للإنسان أنه مخلوق ضعيف يعيش في متاع سكون الأرض، وما كانت هذه الهزات إلا آيات من عند الله للتذكرة والتخويف، كما قال الله سبحانه : ( وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا)، فإذا وقعت الزلازل إضطرب الإنسان وتأثرت نفسيته مدة طويلة وتذكر قدرة الله عليه.
إذا كانت زلزلة في ثوان معدودات عملت هذا العذاب والتوتر النفسي، فكيف بزلزلة يوم يجعل الولدان شيباً؟ ــ إنها زلزلة هائلة تخفض وترفع وترج الأرض رجاً وتبس الجبال بساً فتجعلها هباء منبثاً.
ـ إنها زلزلة ضخمة قال تعالى: ”يأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْء عَظِيمٌ *يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَـارَى وَمَا هُم بِسُكَـارَى وَلَـكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ“ [الحج:1-2].
الزلازل والحيوانات
إذا كان الإنسان يستمتع باستقرار الأرض وثباتها فكذلك الأنعام كلها، ولذلك ثبت علمياً أن بعض الحيوانات تفزع من الزلازل وتهرب قبل أن يبدأ الزلزال. ومن أبرز الظواهر العجيبة أن ما ينتاب الحيوانات من تصرفات غريبة قبل وقوع الزلازل جعل العلماء يجرون العديد من التجارب لمعرفة كيفية الاستعانة بهذه الحيوانات في رصد الزلازل، ويسوق العلماء المجربون حقائق عجيبة تؤكد قدرة بعض الحيوانات بفضل الله على التنبؤ بالزلازل بدرجة تفوق أداء أحدث الأجهزة المتخصصة في هذا المجال.
مما سبق يتبين أنه من نِعم الله تعالى على البشرية أن الله عز وجل قد ألقى الجبال الراسيات الشوامخ على القشرة الأرضية حتى يتحقق الاستقرار النفسي ولكي يستمتع الإنسان والأنعام على السواء بكل ما على ظهر الأرض حتى يعيش في آمن وآمان حتى يؤدي دوره المنوط إليه على أكمل وجه.
ثالثا: متاع البناء الآمن
عرف الإنسان منذ القدم وحتى وحتى يومنا هذا أن الجبال الراسيات تحقق له الآمن والآمان فالتف حولها يسكن عليها وعلى سفوحها لكي يشعر بالسكن والراحة. ومازالت الجبال وإلى قيام الساعة هي المصدر الرئيسي للصخور والأحجار والأسمنت وجميع لوازم مواد البناء حتى يستطيع الإنسان أن يبني المساكن والقصور والطرق والجسور والأنفاق والسدود وبيوت الأنعام المناسبة. قال تعالى "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا" [النحل:81].
تستخدم الصخور الجبلية تستخدم في أغراض صناعية هامة كما تستخدم في أغراض البناء والتشييد مثل الحجر الجيري والرملي والرخام، ولقد أشار المولى لأهمية الجبال في البناء والتعمير
قال تعالى: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ} سورة الشعراء الآية 149.
رابعاً: متاع الإنسان بألوان الجبال
قال تعالى: " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ "(سورة فاطر: الآية 27).
اكتشف العلماء أن للألوان تأثيراً بالغاً على صحة الإنسان النفسية وهي تعدل الطبع والمزاج، وتسمو بالروح وتغذي الأعصاب، وتفيد راحة الإحساس. وتأثير ألوان الجبال على حياة البشر لا يخفى على أحد، فهي ألوان تبعث الهدوء والراحة في النفس.
ولقد أشار المولى عز وجل إلى تعدد الألوان المركبة من اللونين الأبيض والأحمر فذكر عبارة "مختلف ألونها" بعد قوله تعالى "بيض وحمر". والحقيقة إن تعدد ألوان الجبال ما بين الأبيض والأحمر والأسود والألوان المركبة منهم أو امتزاج أحدها بالآخر لجمالاً يبهر العين ويبعث السرور والراحة والطمأنينة.
خامسا: دور الجبال الرواسي في سقوط الأمطار
لم يكن أحد يعلم أهمية الجبال في عملية سقوط الأمطار إلا حديثاً، حيث تصطدم السحب في قمم الجبال الشوامخ فتسقط ماء نقيا فراتاً كما وضح ذلك المولى عز وجل ”وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتاً“ (المرسلات: 27)
(ألَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) [سورة النور:43].
السحب المنخفضة [2] :لا يزيد ارتفاعها على 600متر فوق سطح الأرض، وتسمى (السحب الطبقية) أو (السحب البساطية )، وتقابل بالأجنبية (Stratiform Clouds)
تتكون عندما يرتفع بخار الماء المحمول من البحار إلى الجو بواسطة الرياح وعند اعتراض الجبال لهذه السحب يصعد الهواء الدافئ الرطب فوق منحدر الهضاب، أو على رؤوس الجبال، فيبرد الهواء بالتمدد، ويكون هذا سببًا في تكثُّف بخار الماء، فيبدأ المطر بالتساقط، ويهطل بغزارة حول الجبال وعليها.
”وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتاً“ (المرسلات:27).
سادسا: متاع الإنسان بالمنتجات الجبلية
1. الصيدلانية الجبلية المتكاملة
تحتضن الجبال مجموعات كبيرة من الإعشاب والنباتات الطبية ، ولم يتم حتى الآن إجراء مسح شامل للغطاء النباتي الموجود في مختلف المناطق الجلية في دول العالم ، ولقد قدرت بعض الأعشاب في بعض الدول بأكثر من 600 نوع . ولقد توصل العلماء إلى الأهمية القصوى للتداوى بالأعشاب والمنتجات النباتية الجبلية كصيدلانية متكاملة تحقق العلاج للإنسان من العديد من الأمراض وتجنبه الآثار السلبية من الإفراط في الأدوية المحضرة. ومازال العمل يحتاج إلى جهد كبير ودراسات عديدة لمعرفة الأنواع والجرعات المناسبة من هذه الأعشاب الجبلية اللازمة لعلاج الإنسان.
ولقد انتشرت خلال السنوات الأخيرة ظاهرة العلاج بالأعشاب والنباتات الطبية، ليس في مصر فقط بل وفى أمريكا وأوربا والصين واليابان وكثير من دول العالم. وإجمالا نستطيع أن نقول أن الأماكن الجبلية تحوي منتجات نباتية عظيمة القيمة الغذائية كما تمثل صيدلانية متكاملة ممتلئة بأجود أنواع الأعشاب الطبيعية التي تخرج من أحضان الطبيعة، والتي تستخدم في علاج الكثير من الأمراض.
2. العسل الجبلي
”وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ، ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ“ (سورة النحل: 68).
أهمية عسل النحل الجبلي للإنسان
قال تعالى ”وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ، ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ” (سورة النحل: 68).
لقد ألهم الله عز وجل النحل لصنع بيوتهم من ثلاثة أمكنة على نفس ترتيب الآية: الجبال، والشجر ومما يعرشون. ولذلك نجد أن أكثر بيوت النحل في الجبال – وهي المتقدمة في الآية ثم الشجر - ثم فيما يعرش الناس ويبنون بيوتهم وذلك حتى يتيح للحشرة الصغيرة الاستفادة من البيئات المختلفة وإنتاج عسل مختلف اللون والتكوين فيه شفاء للناس. وكذلك نجد أن أرقى وأجود أنواع العسل هي عسل نحل الجبال لما يحوية من المعادن الجبلية الهامة مثل عنصر الحديد ثم عسل نحل الشجر ثم عسل نحل البيوت بالترتيب الذي أشار إليه المولى عز وجل.
3. المنتجات الجبلية الحيوانية ومنها الإبل الجبلي
لقد أصبح مؤخراً حليب الإبل الجبلية التي ترعى على المراعي الطبيعية في الجبال محط أنظار العالم، بعد أن أقرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أنه غذاء صالح لكل العالم. وهذا إعجاز علمي وضحته سنة المصطفي صلى الله علية وسلم: فعَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَاسًا اجْتَوَوْا فِي الْمَدِينَةِ فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَلْحَقُوا بِرَاعِيهِ يَعْنِي الابِلَ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَلَحِقُوا بِرَاعِيهِ فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى صَلَحَتْ أَبْدَانُهُمْ ..." رواه البخاري. ومازال هذا الموضوع يحتاج إلى مزيد من الدراسات.
سابعا: تكوين التربة الزراعية من الجبال
التربة: في علم التربة (البيدولوجي = Pedology)، يطلق مصطلح تربة (Soil)، على الطبقة السطحية الهشة التي تغطي صخور القشرة الأرضية، وهي ناتجة عن تأثير عوامل التجوية الفيزيائية والكيميائية والحيوية التي تسبب تفتت الصخور، وتحللها، لكي تتمكن عمليات النقل بعد ذلك من حملها ونقلها إلى مقرها الأخير مما يؤدي إلى تكوين التربه.
يقول ربنا (تبارك وتعالى): « فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ، أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا، ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا، فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا، وَعِنَبًا وَقَضْبًا، وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا، وَحَدَائِقَ غُلْبًا، وَفَاكِهَةً وَأَبًّا، مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ« [سورة عبس:24-32].
من الدلالات العلمية لمتاع الجبال للإنسان
ثامناً: الاستخدام الطبي لبعض الصخور والمعادن
تستخدم الأحجار الطبيعية في حفظ صحة العين، وتقويتها للرجل والمرأة، والصغير والكبير، وذلك بعمل الكحل العربي الذي يستخرج من حجر الاِثْمِدَ والمعروف علمياً بإسم الأنتيمون (Antimony)، وهذا الحجر من أفضل أنواع الكحل المكي، و قد أتى العلم الحديث ليؤكد فوائد استخدامه، ومن الإعجاز النبوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى الأمة الإسلامية هذا الحجر: فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ مِنْ خَيْرِ أَكْحَالِكُمُ الاِثْمِدَ إنّهُ يَجُلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشّعَرَ" [رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة والإمام أحمد وقال الترمذي: حديث حسن].
العلاج بمعادن التربة
• و لقد أشارات بعض الدراسات العلمية بأن التربة تحتوي على كمية كبيرة من المضادات الحيوية، وتستخدم لعلاج بعض الأمراض الجلدية وشد البشرة وتنعيمها وعلاج ألام المفاصل والروماتيزم. وهذا إعجاز علمي في السنة النبوية الشريفة: فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول للمريض: "باسم الله تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفى سقيمنا، بإذن ربنا" [رواه البخاري]. وهذا الموضوع مازال يحتاج إلى دراسة تفصيلية.
الاستمتاع بالتربة الجبلية في منطقة سفاجة- بمصر- للعلاج من الآلام الروماتيزمية والجلدية.
تاسعا: الإستشفاء الطبيعي في الأماكن الجبلية
أما الاستشفاء الطبيعي: فالعيون والينابيع المنبثقة من أماكن عديدة في العالم مثل الينابيع الكبريتية والعيون الساخنة وغيرها تستخدم في علاج المصابين بالأمراض الجلدية، وأمراض الدورة الدموية، وآلام العظام والمفاصل والظهر والعضلات والصدفية، مما يحقق متاع الإنسان بصحته عند الشفاء.
اهتمام العالم بالجبال
• اتجهت أنظار العالم في عام 2002 إلى حماية الجبال حتى أن الأمم المتحدة أعلنت عام 2002 “ عاماً دولياً للجبال“. كما اتجهوا إلى تسليط الضوء على أهمية الجبال كمصدر غني بالحياة النباتية والحيوانية إضافة إلى كونها مصدراً لما يزيد على نصف احتياجات العالم من المياه النقية. كما أصدر كلا من المركز العالمي لمراقبة الحفاظ على الطبيعة وبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة تقريراً مشتركاً يحمل اسم "مراقبة الجبال" ويؤكد أن الجبال والمجتمعات التي تعيش عليها تواجه مخاطر بيئية وديموغرافية واقتصادية.
وجه الإعجاز
  •  تناول هذا البحث رؤية علمية جديدة لتوضيح الإعجاز العلمي في قوله تعالى "وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا، مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ" [النازعات:32-33]. حيث تشير هذه الآية بإعجاز علمي بالغ الدقة، عن العلاقة الوطيدة بين الجبال الراسيات في قوله تعالى "وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا" وبين متاع الإنسان والأنعام على السواء وذلك في قوله "مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ".
  •  كما يشير هذا البحث إلى ضرورة تضافر الجهود العلمية في الاهتمام بالمنتجات والأماكن الجبلية كطب بديل لعلاج الكثير من الأمراض.
  •  لقد أدرك العالم أهمية الجبال من أجل حمايتها لكي يتمتع الإنسان بها، ولقد أعلنت الأمم المتحدة عام "2002م" عاماً دولياً لحماية الجبال. لذا كان السبق لكتاب الله بإقرار حقيقة أهميه الجبال من أجل متاع الإنسان منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان، حيث قال عز من قائل ”والجبال أرساها متاعا لكم ولإنعامكم“. والحقيقة أنه لا يمكن لعاقل أن يتصور مصدرا لتلك الإشارة القرآنية الباهرة غير الله الخالق .
يستقبل الدكتور أحمد مليجي تعليقاتكم وأقتراحاتكم حول المقالة على الإيميل التالي
 --------------------------------------------------------------------------------------------------

إعجاز الكتاب في وصف ثقل السحاب
تاريخ المقال : 20/6/2010 | عدد مرات المشاهدة : 8050

إعداد محمد ترياقي
في زمن الأمم الضالة عن سبيل الله وعن الطريق السوّي، البعيدة عن الشريعة الإلهية والحادة عن جوهر التوحيد والمنغمسة في الشرك والكفر بالله الواحد الأحد، كان تعدد الآلهة أمرا سائدا ورائجا، فكان للإغريق مثلا آلهة بوظائف عديدة: فهذا إله الزراعة وهذا إله الحصاد وهذا إله الموسيقى، كما كان للمصريين القدامى إله الشر وإله الحكمة وإله الموت وغيرها، وكان لقريش هبل والعزة ومنات وغيرها من الأسماء التي أخذتها الأحفاذ عن الأجداد وورّثتها الأسلاف للأخلاف، فتعدّدت الآلهة ولكن الكفر كان واحد، وتعالى ربنا عن الصاحبة والشريك والولد. وكانت نظرة الشعوب القديمة إلى الأشكال والظواهر الطبيعة المحيطة بهم نظرة ذاتية غير موضوعية غالبا ما تكون مبنيّة على الظّن والشك والتآويل الباطلة، وكانو يفتقرون إلى أدنى تفسير علمي ومنطقي لهذه الظواهر، بل كانوا يفسرونها على حسب أهوائهم تفسيرا غالبا ما يكون سطحيا وساذجا مبنيا على الخرافات والأساطير القديمة وبعيدا على المنهج العلمي السليم. فإعتقدوا مثلا أنّ الرعد هو صوت الإله والبرق هو سلاحه، كما فسروا السحب والغيوم على أنها خبز الآلهة وطعامها، وإعتقدوا أيضا أنّها خفيفة سهلة المنال من الريح كونها عديمة الوزن ولا ثقل لها. فلمّا شاء سبحانه وتعالى أن يبعث رسلا وأنبياء لكي ينوّروا لهذه الأقوام الضّالة سبل النجاة، إقتضت حكمته عزّ وجلّ أن يكون لهذه الرسل حججا تدحضّ الخرافات والأساطير السائدة آنذاك، وفي الوقت نفسه توافق ولا تنافي الظواهر الطبيعية والسنن الكونية التي أنشأها وقدّرها باعث الرسل بالحق. وسنخصّ في بحثنا هذا ظاهرة وزن السحب وثقلها وكثافتها وخصائصها الفزيوكيميائية من منظور علمّي بحت كما سنبيّن بإذن الله تعالى كيف جاء وصف هذه الظاهرة في القرآن الكريم، ذلك الكتاب المعجز الذي لا ينافي الظواهر والسنن الطبيعية ولا يتعارض معها، وكيف يناقضها وهي من إنشاء الله تعالى والقرآن هو كلامه أوحاه إلى الرسول الصادق الأمين، فالقول الصادق إنما هو الذي يوافق الواقع ولا يخالفه.
لقد ظلّت فكرة إنعدام وزن السحاب وخفّته فكرة تكاد تسيطر على كل الفلسفات والإعتقادات القديمة، بل إنّها ( أي الفكرة) قد نجدها عند معظم الناس في عصرنا هذا، فإذا سألت اليوم أحدا عن وزن السحاب لربما ضحك عليك وسخر منك ووضع سؤالك في خانة الجنون ! فما هي حقيقة السحب إذا ؟ وما هي أقسامها وخصائصها العلمية؟ وهل هي ثقيلة ذات أوزان كباقي الأجسام الطبيعية الأخرى؟ وهل جاء في القرآن شيء عن وزنها وثقلها؟
تعريف السحاب وكيفية تشكلها:
بمنظور فيزيائي يمكننا القول أنّ السحب عبارة عن تجمع مرئي لجزيئات دقيقة من الماء أو الجليد أو كليهما معا يتراوح قطرها ما بين 1 إلى 100 ميكرون، تبدو سابحة في الجو على ارتفاعات مختلفة كما تبدو بأشكال وأحجام وألوان متباينة، كما تحتوي على بخار الماء والغبار وكمية هائلة من الهواء الجاف ومواد سائلة أخرى وجزيئات صلبة منبعثة من الغازات الصناعية.
و السحب عبارة عن شكل من أشكال الرطوبة الجوية التي يمكن رؤيتها بالعين المجرّدة، حيث أنّ الشمس، التي تعتبر المحرك الأساسي لدورة الماء، تقوم بتسخين المحيطات التي تحوّل جزءاً من مياهها من حالتها السائلة إلى بخار، فتقوم التيارات الهوائية المتصاعدة بأخذ بخار الماء إلى داخل الغلاف الجوي (حيث درجات الحرارة المنخفضة) فيتكاثف الهواء المشبّع ببخار الماء مكونا بذلك جزيائات الماء السائلة أو المتجمدة فتمتزج بذرات الغبار مشكلة بذلك السحب. ومادامت درجة كثافة السحب هي من 10 إلى 100 مرة أقل من درجة كثافة الهواء فإنّها تطفوا في السماء، أما ما يفسر تحرك السحب عبر الرياح هو الحركة الدائمة لجزيئات الهواء التي تدفع كل الكتل التي تحتك بها بما في ذلك السحب.

أقسام وفصائل السحاب:
تنقسم السحب حسب إرتفاعها إلى 3 أقسام: السحب العالية الإرتفاع، السحب المتوسطة الإرتفاع والسحب المنخفضة الإرتفاع. وتنقسم كل مجموعة من المجموعات الثلاثة الى عدة فصائل وهي كالتالي:
أولا: السحب المنخفضة‏: (2000 متر على مستوى الأرض)
وتنقسم إلي أربع مجموعات وهي‏:
1) السحاب الطباقي المنبسط الخفيض أو الرهج:
و هي سحب منخفضة رمادية اللون قريبة من سطح الأرض أشبه ما تكون بالضباب المرتفع، وأحيانا على هيئة رقع مهلهلة تتركّب من قطيرات مائية دقيقة تتشكل بفعل تبريد الجزء الأسفل من الجو،
وقد تنشأ من تأثير الحركة المزجية عندما يترطّب الهواء بواسطة الهطول الساقط من سحب الطبقي المتوسط او الركام المزني او المزن الطبقي.
Stratus شكل (01)

2) السحاب الركامي الطباقي:
سحب منخفضة قريبة من سطح الأرض تبدو بشكل طبقة رمادية يغلب عليها وجود أجزاء داكنة
تترافق بهطول مطر خفيف واحيانا ثلوج.
‏ Stratocumulus شكل (02)

3) ‏السحاب الركامي المنخفض أو الخفيض:
‏ يعرف هذا النوع من السحب عند العرب بإسم القرد، وهي سحب منخفضة تنمو بشكل رأسي شديدة السماكة والكثافة، تكون الأجزاء المضاءة من الشمس بيضاء وتكون قاعدتها داكنة نسبيا ومهلهلة في بعض الأحيان، وتتكوّن من قطرات مائية ويمكن ان تكون في أجزائها العلوية مكونة من بلورات ثلجية، تتشكل على طول الجبهات الباردة من المنخفضات الجوية وتترافق بهطول على شكل زخات من المطر.
Cumulus شكل (03)

4) المزن الركامية‏ أو الركام المزني:
‏ ويعرف في لسان العرب باسم الصيب، وهي سحب شديدة الكثافة والضخامة لها إمتداد رأسي كبير، بإمكانها أن تمتدّ من سطح الأرض الى نهاية طبقة التروبوسفير، مظهرها يشبه مظهر الجبال وغالبا ما يكون جزؤها العلوّي متفلطحا بشكل سندان. تتركب من قطرات مائية وبلورات ثلجية ويكون التهاطل على شكل زخات شديدة من المطر أو الثلج أو البرد ويندر ان يهطل البرد من سواها.
وهي أشهر أنواع السحب وأكثرها قوة وتحمل في داخلها قوة ديناميكية هوائية خارقة بإمكانها الإطباق على جناحي طائرة ركاب، كما تحمل في باطنها أكثر الشحنات الكهربائية وأكثرها قوة وبإمكان شرارة برق صادرة منها أن تمد مدينة بالكامل بالكهرباء ، وهي السحابة الوحيدة التي تتميز بشكلها المهيب والمخيف، وهذا النوع من السحب يتميز بقربه من سطح الأرض وعلو قمته، فنمو القمة مستمر حتى تصطدم بطبقة الغلاف الجوي الأولى، فتنحرف القمة لتتمدد بشكل جانبي، حتى يتم ما يسمى بـ:السندان.
Cumulonimbus شكل (04)

‏‏ ‏ثانيا: ‏ السحب المتوسطة‏ ( 2000- 6000 متر):
وتنقسم إلي ثلاث مجموعات هي‏ كالتالي:
1) ‏ السحاب الركامي المتوسط: ‏
سحب متوسطة الارتفاع تتكون من قطرات مائية تتحول الى بلورات ثلجية عند انخفاض درجة الحرارة.
Altocumulus شكل (05)

2) السحاب الطباقي المتوسط‏:
سحب متوسطة الأرتفاع تأخذ شكل صفائح أو طبقات متجانسة، وقد تغطي السماء كليّا أو جزئيا كما تبدو بعض أجزائها رقيقة، ويمكننا من رؤية الشمس من خلالها ولكن بلون باهت، وهي تتركّب من قطرات مائية وبلورات جليدية تؤدي في بعض الأحيان بمشيئة الله الى تهاطل مطري وأحيانا ثلجي.
‏ Altostratus شكل (06)

‏ 3) المزن الطباقية:
تبدو على شكل طبقة رمادية اللون تحجب الشمس تماما وتصبح غالبا سحب منخفضة يصاحبها هطولات مطرية وثلجية.
Nimbostratus شكل (07)

ثالثا: السحب المرتفعة‏:6000 – 12000 متر‏
وتنقسم بدورها إلي ثلاث مجموعات:
‏ 1) السحاب الرقيق المرتفع:
و تطلق عليه العرب إسم القزع، وهي عبارة عن سحب عالية توجد على أرتفاع 6 كم وأكثر، وعادة لا تغطي السماء كلها ولونها يميل للبياض، كما تتركب من بلورات ثلجية دقيقة الحجم لا تؤدي الى أي هطول، ظهورها يعد نذير وبشير لحدوث تغييرات في الجو.
Cirrus شكل (08)

2) السحاب الركامي المرتفع أو السمحاق الركامي:
و هي عادة سحب رقيقة بيضاء تتركب من بلورات ثلجية مندمجة أحيانا ببعض القطرات المائية، في الغالب لا تحجب أشعة الشمس أو القمر.
‏ Cirrocumulus شكل (09)

3) السحاب الطباقي المرتفع أو السمحاق الطباقي:
هذا الصنف يمثل سحب عالية شفافة تغطي السماء كليّا أو جزئيّا ولا تحجب أشعة الشمس تماما، كما تترافق عادة بشكل هالة حول الشمس أو القمر، وهي تتركب في الغالب من بلورات ثلجية لا يرافقها هطول.
Cirrostratus شكل (10)
نظرة العلم إلى ثقل السحب:
يعتبر الغلاف الجوي مستودعاً كبيراً للمياه يستخدم لنقل الماء حول الأرض، إذ يصل حجم الماء الموجود في الغلاف الجوي إلى حوالي 12.900 كيلومتر مكعب(1) يتساقط معظمها على شكل أمطار في المحيطات والبحار، وإذا سقطت كل المياه الموجودة في الغلاف الجوي مرة واحدة كأمطار فإنها ستغطي الكرة الأرضية بعمق يصل إلى 2.5 سم(2) . ويقدّر ثقل السحب التي تجري من فوق رؤوسنا بآلاف الملايير من الأطنان ! ويختلف ثقلها من صنف إلى آخر وهذا راجع لإختلاف درجة كثافة الجزيئات المائية والجليدية التي تحتويها هذه السحب، فلقد قام المعهد الإداري للدراسات المناخية والمحيطات(3) بولاية واشنطن الأمريكية بتقديم بعض التقديرات الخاصة بكثافة ووزن السحب، فكان تقديره لوزن السحابة التي نشاهدها في اليوم الجميل والتي هي من فصيلة السحاب الركامي المنخفض (لاحظ الشكل 03) ب: 635.000 طن(4) ! وتقدّر درجة كثافتها ب: 0.2 غرام في المتر المكعّب وقد يصل حجمها إلى واحد كيلومتر مكعّب. أما سحابة المزن الركامية‏ ( لا حظ الشكل 04) فقد يصل وزنها إلى 1.000.000.000 طن ! ( أي ميليار طن) وهذا راجع إلى درجة كثافتها الكبيرة نسبيّا والتي تصل إلى واحد غرام في المتر المكعّب، أما طولها فقد يتعدى 15 كيلومتر وعرضها يصل أحيانا إلى 10 كيلومتر، وبالحساب التقريبي يمكننا أن نقول أنّه تجري يوميا فوق رؤوس سكان الأرض سحبا يقارب معدل وزنها: 15.000.000.000.000 طن(5) ! ( أي 15.000 ميليار طن) ولا عجب في ذلك خاصة وإذا علمنا أنّ ولاية نيو يورك الأمريكية تلقت وحدها 42.4 مليار طن من الثلوج في شتاء 1996 حسب ما نشرته "أخبار العلوم"(6) الصادرة عن جامعة كورنال الأمريكية(7)، بينما تلقت ولاية فرجينيا الغربية 14.6 مليار طن، ويكون مجموع كتلة الثلوج التي تساقطت ما بين 01 أكتوبر 1995 إلى غاية و31 ماي من سنة 1996 في كل الولايات المتحدة الأمريكية هو 1.468.000.000.000 طن !
ذكر ثقل السحب في القرآن:
قال تعالى:﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ الأعراف - (الآية:57).
لقد جاء ذكر السحاب في مواضع عديدة من القرآن، وجائت الإشارة إلى خاصية ثقل السحاب في الآية 57 أعلاه من سورة الأعراف، وذلك في قوله تعالى: " أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا ً"، وثقالا هي جمع ثقيلة، فنقول سحابة ثقيلة وبالجمع سحاب ثقال، وهذا نص صريح من رب العالمين أنّ السحب ثقال اي شديدة الثقل لما تحمله من ماء، وهذا ما ذهب إليه إبن كثير والطبري ومعظم علماء التفسير، وهذا أيضا ما إعتادت أن تقوله العرب، قال زيد بن عمرو بن نفيل رحمه الله :
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له الأرض تحمل صخرا ثقالا
دحاها فلما استـوت شــدها بأيـد وأرسى عليها الجبالا
وأسـلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا
إذا هـي سيقت إلـى بلـدة أطاعت فصبت عليها سجالا

و يقال أيضا: "أصبح فلان "ثاقلاً" أي: ثقيلاً من المرض أو أثقله المرض، وعلى نحو هذا قال لبيد بن أبي ربيعة:
رَأَيتُ التُقى وَالحَمدَ خَيرَ تِجارَةٍ *** رَباحاً إِذا ما المَرءُ أَصبَحَ ثاقِلا.
و هل هو إلا ما أبتني في حياته*** إذا قذفوا فوق الضريح الجنادلا
و منها أيضا " المثقال" وهو وحدة للوزن، قال المتنبي:
لو كل كلب عوى ألقمته حجراً *** لأصبح الصخر مثقالاً بدينارِ
أوجه الإعجاز في الآية الكريمة:
إنّ قوله تعالى: " أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا ً " هو وصف لثقل السحب وصفا حقيقيا إعجازيا قد أدحضّ كل الخرافات والعقائد الخاطئة والتي قد أعطت تفسيرا خاطئ للسحب وخصائصها، فوصفها سبحانه في كتابه منذ مئات السنين وصفا دقيقا لم يتمكن الإنسان الوصول إلى إدراك ماهيتها إلى بعد 14 قرنا من وحي الله إلى رسوله الكريم ( صلى الله عليه وسلّم).
فالعرب في أول الوحي إعتقدوا أنّ قوله تعالى: " أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا ً " هو من المجاز في القول وهو كناية على ثقل السحب لما ينزل منها من ودق وبرد وثلوج، ومادام القرآن صالح لكل زمان ومكان وأنّ له عجائب لا تنقضي فلقد وافق الوصف المجازي لثقل السحاب بيان العرب ومعانيهم وروعة بديعهم وبيئتهم المتواضعة، كما وافق الوصف الإعجازي الحقيقي لثقل السحاب كل النظريات والإكتشافات الحديثة المتعلقة بالدراسات المناخية ودوراة المياه في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين.
و المتدبر في قوله تعالى: " أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا ً " يجد مجالا لإعجاز علمي آخر على غرار خاصية الثقل، فالتاء في قوله " أَقَلَّتْ " تعود على الرياح، والإقلال بالشيئ هو حمله والقيام به، فالعرب تقول : إستقلّ البعير بحمله أي إذا حمله فقام به. وفي وصفنا لخصائص السحاب في بداية أول هذا البحث قلنا أنّ درجة كثافة السحب هي من 10 إلى 100 مرة أقل من درجة كثافة الهواء فلهذا نجدها تطفوا في السماء بفعل الريح، وما الريح إلاّ حركة أفقية للهواء تنتج من الحركة الدائمة لجزيئاته والتي تدفع كل الكتل التي تحتك بها بما في ذلك السحب، فبمنظور علمي نفهم أنّ الرياح لا تحمل السحاب فحسب لكن تقوم به إلى أعلى أو أسفل أو بينهما وهذا حسب طبيعة وفصيلة السحاب كما سبق وأن ذكرناها سالفا، أي أن للرياح خاصيتين: الأولى أنّها تحمل السحاب والثانية أنّها توجهه، ولهذا جاء اللفظ ب:" أَقَلَّتْ " في الآية أعلاه وهو لفظ معجز يشمل الحمل والتوجيه، وهذا من دقة التعبير القرآني وإعجازه، ذلك الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
كيف يمكن لبشر عاش في بيئة صحراوية قاحلة، في زمن قوة الرومان وحضارة الفرس والبرابرة، عهد الخرافات والأساطير وتعدد الآلهة والفلسفات الباطلة والتآويل الخرافية والزائفة لكل الظواهر الطبيعية، كيف يمكنه أن يعطي تفسيرا دقيقا لخصائص السحب والغيوم والرياح وهو بشر يمشي في الأسواق ويأكل الطعام إن لم يكن يوحى إليه بكتاب من رب السحاب؟! وكم هو عجيب أمر هذا القرآن فلا تكاد تمضي حقبة من الزمن إلاّ وأبهر بإعجازه وغيبه من يحملونه بأيديهم، فهذا إعجاز كونّي وذاك إعجاز بياني وآخر غيبي وسيظل يعجز العلم بنظرياته التجريبية والنظريّة ما دام يتلى إلى يوم القيامة، هي إذا حكمة الله تتجلى في كونّه وهي قدرته نراها جهرا بعلمنا الذي علّمنا إياه ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
يمكن التواصل مع المؤلف على الإيميل التالي:
mtriaki@yahoo.com
مراجع أساسية:
(1) موارد المياه. موسوعة المناخ والطقس. أعده للنشر أس. أتش. شينيدر، مطبعة جامعة أكسفورد، نيويورك، المجلد 2 ص 817 – 828
(2) http://ga.water.usgs.gov/edu/watercycleatmosphere.html
(3) “National Oceanic and Atmospheric Administration” http://www.noaa.gov/
(4)http://ga.water.usgs.gov/edu/watercycleatmosphere.html
(5)http://www.pixelsbw.com/musee-eau-fontaine/h2o.asp?q=21
(6)http://www.news.cornell.edu/releases/June96/snowweight.bpf.html
(7)http://www.cornell.edu/
مراجع متفرقة:
http://www.ffme.fr/technique/meteorologie/les-nuages/index.htm
http://www.meteo-bourgogne.com/pedagogie/nuage.php
http://ga.water.usgs.gov/edu/index.html

---------------------------------------------------------------------------------------------------------------




وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ
تاريخ المقال : 21/6/2010 | عدد مرات المشاهدة : 7371

بقلم: حسن يوسف شهاب الدين
أستاذ فيزياء

قال الله تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ﴾ [سورة إبراهيم {32}].
فتحت هذه الكلمات الربانية كتاب الكون على مصراعيه، وتضمنت سطوره امتنان الله علينا بنعم لا تعد ولا تحصى، لتجعلنا نقف مذهولين قائلين:
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماءاً فأنبت به الأشجار، وأنزل الحديد وسائر الآلات، وأرسل الرياح رحمةً منه وزودها بالحركات القوية وجعلها آية لأولي النهى والأبصار، ووسع الأنهار، وجعل عمقها وحالها مقدراً بمقدار، تجري بها الفلك بأمره، وننتفع من كل هذه النعم، فنشكر المنعم وندعوه آناء الليل وأطراف النهار.
أول من صنع السفن
كان أول من صنع السفن نبي الله نوح عليه السلام، فقال الله جلَّ وعلا: ﴿ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ﴾ [ سورة هود {38}]. فسخر منه قومه لأنه بالأمس كان نبياً يدعوهم لدين الله وبعد ذلك يصبح نجاراً يصنع السفن التي لم تكن مألوفةً لهم، وكانت هذه التجربة بأمرٍ من الله تعالى ووحي منه، فعُلِّمَ صناعتها والشروط التي تضمن لها الطفو، فقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ
بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ﴾ [ سورة هود {37}]. وكانت أفضل مادة لصناعتها الخشب، لأنه أخف من الماء، ويجب أن تُنشر على شكل ألواح ليزداد سطحها وبالتالي تزداد القوة الضاغطة عليها ( دافعة أرخميدس)، وأن تثبت بالمسامير وتطلى بمادة عازلة تمنع تسرب الماء إليها مما يجعلها قادرة على ركوب البحر ولا تغرق، فقال سبحانه: ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ﴾ [ سورة القمر{13}].
لماذا لا تغرق السفن:
كثيراً ما يتبادر إلى الذهن سؤال مفاده، كيف تطفو السفن ولا تغرق رغم أنها مصنوعة من معادن كثافتها أعلى من كثافة ماء البحر ورغم حجمها الكبير؟ ولماذا تغرق قطعة صغيرة من الحديد؟. ...... لا تغرق السفن لأنها تبنى ضمن شروط يحددها البحر، فيجب أن يكون الجزء المغمور منها ضخم الحجم وأجوف لذا فإن قوة دفع مياه البحر تزداد بزيادة الحجم، ولذلك جاءت كلمة (سخَّر) والتي تعني: ذلَّل وأخضع. فسخر الله سبحانه البحار وجعلها تتمتع بقوة تؤثر على السفن، وفق قانون ( دافعة) أرخميدس: وهي قوة شاقولية تتجه إلى الأعلى وتؤثر على الأجسام غير الذوابة في السائل، وتساوي أيضاً وزن السائل المزاح، وتعطى بالعلاقات التالية:

حيث f: قوة ضغط السوائل (قوة أرخميدس)، ρ : كثافة السائل (الماء).
V : حجم الجسم المغمور في السائل،
: تسارع الجاذبية الأرضية.[1].
حاجة السفن إلى الجسم المغمور
نلاحظ من القانون: أن دافعة أرخميدس تزداد بزيادة حجم الجسم المغمور في الماء، لذلك يكون حجم السفينة كبير، وهو شرط من شروط توازنها، فشبَّه القرآن الكريم السفن في البحر بالجبال، وهنا نجد دقة اللفظ القرآني من الناحية العلمية، فقال سبحانه: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ﴾ [ سورة الشورى: {32}]. فالجبال مثل الأوتاد التي نرى قسماً منها ظاهراً فوق الأرض والآخر يكون أسفلها، فقال الله تعالى: ﴿ وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ﴾ [ سورة النبأ: {7}]. ويتبين لنا أن الجبال في الأرض تحفظ لها التوازن والاستقرار وتمنعها من الاضطراب، من خلال أوتادها، فكذلك السفن تحتاج مثل الجبال إلى الجزء المغمور في الماء ليحفظ لها التوازن ويمنعها من الغرق والاضطراب، وهذا ما يدل عليه قول الله تعالى: ﴿ خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ [ سورة لقمان: {10}].
الحجم: تزداد دافعة أرخميدس بزيادة الحجم ويزداد الحجم بزيادة السطح وبالتالي تزداد قوة الضغط لأن الضغط يتناسب عكسياً مع السطح وفق العلاقة:

حيث
: الضغط. وƒ : القوة الضاغطة. وS : سطح الجسم الذي تؤثر عليه القوة.
كثافة السائل في البحار: تزداد دافعة أرخميدس بزيادة كثافة السائل، وهنا تجدر الإشارة إلى دور ملوحة البحار في هذه القوة، لأنه كلما كبرت نسبة الملوحة كبرت الكثافة، فمثلاً البحر الميت نسبة ملوحته أكبر بكثير من غيره، ودافعة أرخميدس فيه أكبر، لذا سماه علماء الفيزياء (البحر الذي لا يغرق فيه أحد)، وبالتالي تطفو السفينة عندما يكون الوزن الحجمي للسائل أكبر من الوزن الحجمي لها، أي: (أن يكون وزن نفس حجم الجسم من السائل أكبر من وزن الجسم).[2].
كثافة السائل في الأنهار: تتمتع مياه الأنهار بكثافة أقل من كثافة ماء البحار لأنها عذبة ونسبة ملوحتها أقل من ملوحة البحار، لذا فكثافة ماء البحار أكبر، والنهر في اللغة: الأنهار من السعة، ولا تسمى الساقية نهراً، بل العظيم منها هو النهر، ومنه جاء في قول الله تعالى: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ ﴾. نجد الأنهار معطوفة على البحار، ولكي تجري السفن فيها يجب أن تكون الأنهار واسعة وعميقة، لتزداد قوة الضغط، ونزيد حجم السفينة بما يتلائم مع الكثافة، لتحقق شروط الطفو.
ويجب أن يكون أجوف: وهذا سِرٌ من أسرار الله سبحانه وتعالى في مخلوقاته ولمعرفة هذا السر فلننظر إلى الكيس الهوائي في جسم السمكة، فعندما يمتلئ بالهواء يزداد حجمها وبالتالي تقل كثافتها عن كثافة الماء فتطفوا، ( وهذا هو الغرض من وجود كيس هوائي في جسم السمكة)، فمن أجل هذا تصنع السفينة مجوفة.[3].
كيف تجري السفن؟
العلم الذي يدرس هذا النوع من الحركة يسمى علم التحريك: وهو يدرس الحركة من حيث مسبباتها، أي القوى المؤثرة عليها، فحركة السفن في البحار
تخضع لمبدأ العطالة ( قانون نيوتن الأول)، ونميز حالتين:
1 - الجسم الساكن يبقى ساكناً ما لم تؤثر عليه قوة خارجية تؤدي لتحريكه.
2 – يبقى الجسم محافظاً على سرعته ما لم تؤثر عليه قوة خارجية تغيرها.
والقوة : هي كل ما يؤثر على الأجسام فتغير من شكلها أو سرعتها أو طبيعتها.
العلاقة بين الرياح وحركة السفن
السفن القديمة ومنها (الشراعية) تسير تحت تأثير قوة الرياح، وهي القوة التي كانت معتمدة في زمن رسول الهة صلى الله عليه وسلم، وللرياح دور كبير في تحريك السفن وهذا واضح في قول الله تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ* إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾.[ سورة الشورى: {32-33}]. فتبقى السفينة ساكنة ما لم تؤثر عليها قوة تحركها وقوة الرياح هي المسؤولة عن إعطاءها قوة الدفع والتي تجعلها تتحرك بسرعة متناسبة مع هذه القوة، فإذا كانت هذه القوة معدومة سكنت، أما السفن الحديثة فتجري تحت تأثير قوة تقدمها محركاتها، فإذا انعدمت ركدت. فسبحان الذي سخر لنا الفلك وما كنا لها مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون.
وجه الإعجاز
الإعجاز التاريخي

أخبرنا الله تعالى عن العصر الذي صنعت فيه السفن، معلناً اسم النبي الذي صنعها وأعدها لتجري في البحر ضمن شروط تحفظها من الغرق.
الإعجاز العلمي
1 – تجلى إعجاز القرآن الكريم في أن السفن تبقى ساكنة، ما لم تؤثر عليها قوة تحركها.
2 – تشبيه السفن بالجبال، والجبال أوتاد، فمنها قسم لا نراه يسكن في باطن الأرض، يحفظ لها التوازن وتمنعها من الاضطراب، كذلك السفن فمنها قسم مغمور في الماء لا نراه، يؤمن لها التوازن ويحفظها من الغرق.
3 – تسخير مياه البحار والأنهار وجعلها ذات كثافات مناسبة لتحمل على ظهرها السفن.
4 – استخدام الخشب لصناعة السفن لأنه أخف من الماء، ومسامير لتثبيت الألواح الخشبية ذات السطح الكبير، مما يزيد من القوة الضاغطة، ويمنع تسرب الماء إلى داخلها.
وأخيراً: فإن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم النبي الأمي، ما كان ينطق عن الهوى، بل وحي من الله سبحانه وتعالى الذي يُعَلِّمُ من يشاء من عباده ويصطفي من ارتضى.
أرجو الدعـاء لوالـديَّ
للمراسلة: shehap4@maktoob.com

المراجع:
1 - سلسلة الفيزياء للجميع، ج1، ص356.
2 - الفيزياء المسلية، لياكوف بيريلمان، ج2، ص108.
3 – المرجع السابق، ج2، ص145. 


--------------------------------------------------------------------------

الإعصــار والنــــار
تاريخ المقال : 22/6/2010 | عدد مرات المشاهدة : 6944


صورة للإعصار دينس من الفضاء
دكتور: رضا عبد الحكيم رضوان
قال الله تعالى: (أيَوَدّ أحَدُكُمْ أن تَكُونَ لَهُ جَنــَّةٌ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَـيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّـكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (البقرة 266).
 وقفت عند قوله تعالى: (فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ) وسألت هل يحتوي الإعصار في كيانه الفيزيائي على تكون ناري؟ ووجدت أن أحدث الدراسات العلمية المتخصصة في "الأعاصير" لم تتوصل حتى الآن فيما أعلم إلى ما يؤكد احتواء كيان الإعصار على نار. ولكن يمكن أن نطرح السؤال التالي على علماء الأرصاد: هل يكوّن الإعصار ناراً أم لا؟ وهل يحمل الإعصار هذه النار بين ثناياه؟ فإن كانت الإجابة بنعم ـ وكان الواقع يؤكد ذلك كان في هذه الآية سبق وإعجاز علمياً فريداً.
وسنلقي بإطلالة على معنى الآية، ونورد بعض الشواهد العلمية التي تساعد المتخصصين في علم الأرصاد للكتابة المتعمقة والدقيقة في هذا الموضوع.
  المعنى اللغوي للإعصار:
في المصباح المنير: الإعصار ريح ترتفع بتراب بين السماء والأرض وتستدير كأنها عمود والإعصار مذكر قال تعالى: (فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ) والعرب تسمى هذه الريح الزوبعة أيضا والجمع الأعاصير وفي مختار الصحاح: والإعصار ريح تثير الغبار فيرتفع إلى السماء كأنه عمود ومنه قوله تعـالى : (فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ) وقيل هي ريح تثير سحاباً ذات رعد وبرق، وفي المعجم الوجيز: اعتصر الشيء: عصره وعصر الشيء عصْراً: استخرج ما فيه من دهن أو ماء أو نحوه. والإعصار ريح تهب بشدة وتثير الغبار وترتفع إلى السماء كالعمود.. ورد في فتح القدير للشوكاني: والإعصار الريح الشديدة التي تهب من الأرض إلى السماء كالعمود وهي يقال لها الزوبعة والزوبعة رئيس من رؤساء الجن ومنه سمي الإعصار زوبعة، ويقال أم الزوبعة: وهي ريح يثير الغبار ويرتفع إلى السماء كأنه عمود وقيل هي ريح تثير سحابا ذات رعد وبرق.
وفي علم الجغرافيا الحديث ـ الإعصار منطقة من الضغط تجذب الرياح إلى مركزها في اتجاه عكس عقارب الساعة في نصف الكرة الشمالي والعكس في نصف الكرة الجنوبي وتعرف هذه المناطق بالعروض الوسطى بالمنخفضات الجوية.
وفي التفسير الشرعي:

الشكل يبين أقسام الإعصار القمعي
قال ابن كثير في قوله تعالى: (وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ) "وهو ريح شديد" فيه نار فاحترقت أي احرق ثمارها وأباد أشجارها فأي حال يكون حاله؟ قال ابن عباس: ضرب الله مثلا حسنا وكل أمثاله حسن قال {أيَوَدّ أحَدُكُمْ أن تَكُونَ لَهُ جَنــَّةٌ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ} يقول: ضيعة في شيبته {وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ} وولده وذريته ضعاف عند آخر عمره فجاءه (إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ) فاحترق بستانه فلم يكن عنده قوة أن يغرس مثله ولم يكن عند نسله خير يعودون به عليه. ويقول ابن عباس: (إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ) قال: ريح فيها سموم شديدة.
 مدخلات الدراسة الإعجازية:
يصنف العلماء الأعاصير إلى الأعاصير القمعية والأعاصير المدارية (التايفونات). ومن الأعاصير التي درسها الباحثون في الإدارة القومية للمحيطات والغلاف الجوي في أمريكا(National Oceanic and Atmospheric Administration) إعصار اندرو(Hurricane Andrew) في العام 1992 الذي قتل 15 شخصا ودمر ممتلكات قيمتها 25 بليون دولار في جنوب فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية. أيضا إعصار اوبال فوق خليج المكسيك عام 1995 الذي تسبب في دمار هائل فقتل اكثر من 28 شخصا، كذلك تناول الباحثون إعصار بوني الذي مر فوق خليج المكسيك العام 1998 وفي العام 1999 حط إعصار برت فوق منطقة زراعية غير مأهولة في تكساس ودمر هذه المزروعات.
يضع الباحثون قوى الأعاصير وفق تقسيم درجاتي، فكان إعصار اوبال (Hurricane Opal) قد بلغت قوته (الفئة4) كما كانت قوة إعصار هوكو (Hurricane Hugo) (الفئة 5)وهي شديدة العنف. وقد تناول الباحثون ـ حديثا جدا ـ الإعصار دينيس (Hurricane Dennis) بولاية فلوريدا والذي حدث في 29 أغسطس 1999 وقد تضمن تقرير الفحص أن الإعصار أطلق رياحا تبلغ سرعتها 145 كيلومتر وكان الخوف قد سيطر على السكان في الجزر القريبة من ساحل كارولينا الشمالية، فعمدوا إلى إغلاق منازلهم بألواح خشبية ووضع أكياس من الرمل في سياراتهم لتثبيتها إلى الأرض والفرار من العاصفة الوشيكة.
والغريب انه متى صادف الإعصار حظه في منطقة غابات أي بيئة مهيأة لتلقي الاشتعال، تندلع النيران في هذه الأماكن وقد سجلت حالات كثيرة لم يسند فيها مرجع الإشعال إلى تدخل العنصر البشري... بما يعني أن الإشعال قد صنعته الطبيعة فالتهمت نفسها بنفسها وذلك بفعل مؤثر خارجي... بالدرجة التي جعلتني أتساءل: هل يمكن أن يكون مصدر النيران المشتعلة نزول الأعاصير عليها.
صورة للدمار الذي أحدثه إعصار كاترينا ه
وأظن أن الصلة قائمة لا مناص بين الإعصار واندلاع الحريق في الغطاءات النباتية والغابات في بيئاتها الطبيعية. لكن السؤال الذي أوجهه لعلماء الطبيعة المتخصصين هل يمكن أن يحتوي الإعصار على النار بما تعنيه الكلمة من معنى، أو بالأقل احتواء الإعصار على الآلية المضيئة لإشعال النار؟... فإذا كان الأمر كذلك وفق أحد هذين الفرضين كانت آية الذكر الحكيم {إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ} آية جديرة ببحوث الإعجاز العلمي.
والثابت في قول ابن كثير أن الإعصار ريح شديدة... وقد ربط بين هذا الريح وتلك الحرائق التي أبادت الشجر، وأتصور أن الإعصار ـ داخل منظوماته الهوائية الحركية العنيفة ـ إذا صادف اغتنامه للبرق يكون منطقيا احتضان الإعصار لنواتج البرق وداخل آلياتها مسببات الإشعال ـ فيأتي الإعصار ممزوجا به آليات الإشعال أو حتى الإشعال ذاته إذا كان قد نتج وفي هذا يبدو الإعصار للناظرين ( إعصار به نار) وربما يؤيد هذا الافتراض ما ذكره الباحثون المتخصصون حول ( البرق ) حيث يبدأ سهم البرق الطبيعي بنذير لا يكاد يرى يدعى الطور الطليعي ينتشر إلى الأسفل بدءا من السحابة باتجاه الأرض بشكل متدرج مقتلعاً في طريقه إلكترونات ضعيفة الارتباط بين جزئيات الغاز الموجودة في الجو ومشكلا قناة من الهواء المؤيّن تعمل كقناة موصلة وبعد أن يمس الطور الطليعي الأرض مباشرة ينفجر ( طور العودة ) الساطع، وكما يحدث أثناء الطور الطليعي، فان صاعقة العودة التي تحمل تيارات تمتد من بضعة آلاف الأمبيرات حتى تصل إلى نحو 300000 أمبير، ويسير سهم البرق المبهر للأبصار هذا بسرعات قد تصل إلى نصف سرعة الضوء، ويمكن للتيار الكهربائي الهائل الذي يحمله معه أن يدمر بسهولة أي جسم يصادفه في طريقه. هذا والله تعالى أعلم. 
 المراجع:
1 ـ المصباح المنير للفيومي الجزء الأول والثاني من كتاب، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1926. مختار الصحاح للرازي، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، 1962، ط 9.
2 ـ المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية / 1997
3 ـ ابن كثير، تفسير القران العظيم، الجزء الأول، دار الحديث ص 302
 4 ـ الشوكاني، فتح القدير، المجلد الأول، دار الفكر، ص 287 ـ 288
 5 ـ مجلة العلوم، مجلد 13 ـ العدد 10 أكتوبر 1997، التحكم في البرق ص 10 ـ 15
 6 ـ مجلة العلوم، مجلد 16، العددان 6,5 مايو / يونيو 2000 تفحص الإعصار ص 20 ـ 25

---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

أمواج البحر اللُّجي
تاريخ المقال : 28/6/2010 | عدد مرات المشاهدة : 5747

إعداد:مجدي عبد الشافي عبدا لجواد  
يقول الحق عز وجل في  كتابة الكريم  " أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ  يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ  (النور :40)
 في هذه الآية الكريمة يصف الله البحر اللجي وصفاًدقيقا ينطبق تمام الانطباق مع الاكتشافات العلمية الحديثة التي ثبتت ونوقشت على جميع المستويات العلمية, فما هو البحر اللجي الذي تحدث عنه القران وكيف يتطابق وصفة  مع  أحدث الاكتشافات العلمية وذلك  ليزداد المؤمنون إيمانا ويقيم الحجة على الكفار فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر
الإعجاز العلمي في هذه الآية المباركة في إيجاز سريع  
يشَّبه المولى عز وجل الحالة التي يعيشها الكافر بظلمات تملئ  قلبه وشبه هذه الظلمات بظلمات البحر اللجي التي سيتبين لنا بعد قليلة كما هو غارق  في الظلمات ويعلوه أمواج أعلى من الجبال  واضطرابات بحرية شديدة  يا لها  من صورة قاتمة لقلب الكافر الذي ينغمس في في عالم الكفر  وربما ينتهي  به الحال إلى  الانتحار وأي  مصير ينتظره !!
    عندما تمر أشعة الشمس بالسحاب فان السحاب يمتص جزء منها فيكون فوق البحار ظلام نسبى حيث تقل الكمية النافذة وما أن تصدم الأشعة   بالأمواج  السطحية البحرية ينعكس منها جزء وتمتص المياه الجزء المتبقي حتى يصل الجزء  القليل إلى نوع من الأمواج تحت البحر العلوي يطلق علية العلماء الأمواج الداخلية فتقوم هذه الأمواج بامتصاص القدر اليسير المتبقي  فتتحول المياه أسفل هذهالأمواج إلى حالة من الظلمة المخيفة  وكما رأيت عزيزي القارئ  فنحن عددنا ثلاث أنواع من الظلمات وهنا يكمن  أيضا إعجاز آخر في استخدام كلمة ( ظلمات) في الآية في صيغة الجمع بدلا من المفرد وفى الآية.
 
شكل(1)  يبين الأمواج السطحية والأمواج العلوية
والآن إلى التفاصيل
مقدمة تاريخية
كما هو معلوم كان العلم البشرى محدوداًقديماًوكانت تسيطر عليهالخرافات والحكايات الخيالية المرعبة خاصة فيما يتعلق بالبحار والمحيطات حيث كانت لا تتوفر معلومات عن البحار والمحيطات  ومن هذه الخرافات ما كان ما يحيط بالمياه الراكدة التي لا تستطيع السفن عبورها   حيث كان الرومان في ذلك الوقت يعتقدون  بوجود أسماك مصاصة لها تأثيرات سحرية على إيقاف حركة السفن، ورغم أن القدماء كانوا على علم بأن الرياح تؤثر على الأمواج والتيارات السطحية إلا أنه كان من الصعوبة بمكان معرفة شيء عن الحركات الداخلية في البحار. 
ويبين تاريخ العلوم أن الدراسات المتصلة بعلوم البحار وأعماقها لم تبدأ إلا في بداية القرن الثامن عشر عندما اخترعت الأجهزة المناسبة لمثل هذه الدراسات الدقيقة، ومن هذه الأجهزة التي استعملت لقياس عمق نفاذ الضوء في مياه المحيط هو "قرص سيتشي" (The Secchi disk)وهو عبارة عن قرص أبيض يتم إنزاله في الماء ليسجل العمق الذي تتعذر رؤيته كنقطة قياسية. ومع نهاية القرن التاسع عشر تم استخدام الوسائل التصويرية التي تم تطويرها خلال الثلاثينات من القرن العشرين، حيث استعملت الخلايا الكهروضوئية.
 
شكل (2) يشرح طريقة أنزال القرص
 
 
 شكل(3)  يبن طريقة استخدام القرص لبيان أعماق
الإعجاز العلمي في هذه الآية
من الفيوضات العلمية في هذه الآية أن البحر اللجي يعلوه موج من فوقه موج أي هناك في ظاهر الآية  القرآنية  موجين يعلوا أحدهما الآخر.  
كل البشرية كانت تعلم إلى وقت قريب أنهلا يوجد في البحار إلا موج واحد  ففي هذه الآية الكريمة حقيقة علمية عالية في الدقة لم تكن تخطر ببال الأولين حيث لم يكن لديهم من المعارف والمعدات وآلات التصوير ما يتيح لهم الوصول إليها,  إن الله تعالى يصف بحرا لجياًعميقاًويقول إن هذا البحر اللجي يغشاه أييعلوه موج وهذا ما أثبته التقدم العلمي حديثاً, ولكن لماذا  قال الله تعالى من فوقه موج اى من فوق الموج الأول موج ثاني (وظلمات)؟
علم البحار وتطابق حقائقه العلمية مع الآية
 يقول العلماء بأنة يوجد في كل بحر مكاناًعميقاًولجياًأي مياهه تزيد في ارتفاعها عن القاع 1000م  وقد تصل إلى 2000م  وهذه المنطقة هي التي وصفها القرآن بهذه الآية وكل منطقة أخرى لا علاقة بينها وبين الآية.
 كما يقول العلماء انه في هذا البحر العميق وعلى عمق 200م إلى خمسمائة متر يوجد موج داخلي وكأنك على سطح البحر تماماً, وهذا كان  الاكتشاف الأول وقد وجد هذا الموج واكتشفه البحارة القدامى الاسكندينافيون وتتابعت الاكتشافات العلمية والدراسات البرية والبحرية والكونية وطبعاًكان من  إحدى هذه الدارسات العلمية هي دراسة البحار على جميع المستويات. وإحدى هذه المستويات في الدراسة كانت دراسة تلك المنطقة البحرية العميقة التي وصفها القرآنبالبحر اللُّجي أي العميق.
 
شكل (4) صورة لغواصات الأعماق تبين مدى التقدم  الذي أحرزه الإنسان في هذا المجال
في الحقيقة لم يكن بالإمكان الغوص إلى تلك المناطق حيث يصل الضغط في بعض الأماكن  إلى 600كيلو جرام على السنتيمتر الواحد  إلا باستخدام غواصات متقدمة ومتينة وعلى درجة عالية جدا من التكنولوجيا الراقية الحديثة ومزوده بكاميرات التصوير التلفزيونية علاوة على استخدام الروبوت أيضا في هذا المجال .
وبعد دراسة البحار وأعماقها  دراسة مستفيضة, أتضح لهم أن البحر العميق والذي ذكره القرآنبلفظ " اللُّجي" ( أو كظلمات في بحرلجي) موجود في أسفل الموج الثاني (الذي سنتناوله بالتفصيل ) عن البحر الأول .
بمعنى أن البحر العميق قسم قسمين إلى  سطحي وسفلى ويفصل البحر الأول السفلى عن البحر العلوي " السطحي " موج كمثل هذا الموج السطحي  الذي نراه بأعيننا ووجدوا أن البحر اللجي العميق السفلى المفصول عن البحر السطحي بموج يختلف عن البحر السطحي أو العلوي في كل شيء في الحرارة وفى الكثافة وفى نسبة الأملاح وفى الحياة المائية
بحران منفصلان فما يعيش في البحر العلوي الذي له سطح نراه بأعيننا المجردة  يختلف تماماًعما يعيش في البحر العميق اللجي, فحيوانات هذا غير حيوانات ذاك ومن فصائل مختلفة تماما عنها , فأي إنسان عاديأو حتى مجموعة من الناس لا يمكن أن يخطر ببالهم مجرد خاطر أن  هناك بحران منفصلان في بحر واحد ولا يمكن أن نصدق أن هذا السطح من البحر الذي نراه تحته وعلى عمق (200:500) متر يوجد بحر ليس له علاقة ببحر السطح المرئي للعين.
كيف تحدث الظلمات في البحر اللجي؟
يجتاز ضوء الشمس ثلاثة موانع حتى ينعدم تماما في المنطقة التي تحت الموج اللجي وسوف نتناول كل مرحلة على حده:
الظلمة الأولى أو العائق الأول لضوء الشمس والتي يتسبب فيها  (السحاب ):
إن الناظر للكرة الأرضية من طائرة تطير فوق السحاب سوف يرى أن السحاب سيغطى الكرة الأرضية سواء في الشتاء أو الصيف ولا توجد منطقة يمكن أن تنظر فيها إلى الكرة الأرضية.
ماذا يعنى هذا؟ يعنيذلك أنك لو كنت تطير فوق السحاب فسوف ترى شمساً ساطعة ونوراًواضحاًولنفرض أن هذه الطائرة أرادت الطيران من تحت السحاب بين السحاب وسطح البحر فماذا ترى؟ ترى نفسك فجأة وقد أصبحت في منطقة مظلمة ظلاماًخفيفاًوقد ضاع النور الذي كنت تراه وأنت تطير فوق السحاب . يعنى هذا أن للمنطقة التي تقع تحت السحاب والموج السطحي للبحر ظلمة قليلا  لعدم استطاعة الشمس الدخول بحرية إلى هذه المنطقة لوجود السحاب الذي يعتبر حاجزا قوياًلدخول أشعة الشمس الكاملة
 فكيف يكون السحاب السبب في الظلمة الأولى ؟
ترسل الشمس أشعتها المكونة من  موجات كهرومغناطيسية وأشعة الراديو والأشعة السينية, إلا أن الغالب عليها هو الضوء المرئي وكل من الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية‏,‏ بالإضافة إلى بعض الجسيمات الأولية المتسارعة مثل الإلكترونات‏,‏ وأغلب الأشعة فوق البنفسجية يردها إلى الخارج نطاق الأوزون‏.‏ وعند وصول بقية أشعة الشمس إلي الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض فإن السحب تعكس وتشتت نحو‏30‏ % منها‏.‏ وتمتص السحب وما بها من بخار الماء وجزيئات الهواء وهباءات الغبار وغيرها من نوى التكثيف الأخرى حوالي‏19%‏ من تلك الأشعة الشمسية المارة من خلالها‏,‏ تحجب السحب بالانعكاس والتشتيت والامتصاص حوالي‏49‏ % من أشعة الشمس‏,‏ فتحدث قدراً من الظلمة النسبية‏.‏
إذا نحن في طبقة الظلمات الأولى التي هي فوق الموج الثاني السطحي وأما ما تبقى من أشعة الشمس القليلة  النافذة عبر السحاب فانه تحاول الدخول في البحر السطحي ولكنها تدخل بمستوى ضعيف يعكسها أيضا الموج المتحرك على سطح البحر.
 
في هذا الشكل(5) السحب الكثيفة وقد أحدث الظلمة الأولى
ماذا يحدث للضوء عندما يقابل سطح البحر والأمواج السطحية؟
إن حوالي‏35‏ % من الأشعة تحت الحمراء تستهلك في تبخير الماء‏,‏ وتكوين السحب‏,‏ وفي عمليات التمثيل الضوئي‏.‏ التي تقوم بها النباتات البحرية‏.‏أما ما يصل إلي سطح البحار والمحيطات مما تبقى من الأشعة المرئية‏(‏ أو الضوء الأبيض‏).‏ فان الأمواج السطحية للبحار تعكس ‏5‏ % أخرى منها –وهذا هو السبب في لمعة سطع البحر,‏ فتحدث قدراً آخر من الظلمة النسبية في البحار والمحيطات‏.‏
 الجزء المرئي من أشعة الشمس الذي ينفذ إلي كتل الماء في البحار والمحيطات يتعرض لعمليات كثيرة من الانكسار‏,‏ والتحلل إلي الأطياف المختلفة والامتصاص بواسطة كل من جزيئات الماء‏,‏ وجزيئات الأملاح المذابة فيه‏,‏ وبواسطة المواد الصلبة العالقة به‏,‏ وبما يحيا فيه من مختلف صور الأحياء‏,‏ وبما تفرزه تلك الأحياء من مواد عضوية‏,‏ ولذلك يضعف الضوء المار في الماء بالتدريج مع العمق‏.‏
 
في الشكل رقم (6) صورة مكونات الطيف المرئي(قوس قزح)
ولكن كيف يحدث ذلك ( عملية امتصاص الضوء):
 على عمق لا يكاد يتجاوز عشرة أمتار يكون الطيف الأحمر هو أول ما يمتص من أطياف الضوء الأبيض ويتم امتصاصه بالكامل ولذلك إذا جرحت يد  إنسان على هذا العمق فأنة لا يرى الدم  
‏ثم  على عمق لا يتجاوز الخمسين مترا يمتص الطيف البرتقالي ثم الطيف الأصفر والذي يتم امتصاصه بالكامل
ثم على عمق مائة متر في المتوسط  يمتص الطيف الأخضر والذي يتم امتصاصه بالكامل
ثم على عمق يزيد قليلا على (200) متر يمتص الطيف الأزرق‏,‏ ولذلك يبدو ماء البحار والمحيطات باللون الأزرق لتشتت هذا الطيف من أطياف الضوء الأبيض في ألمائتي متر العليا من تلك الكتل المائية‏.‏
   فلو انك أتيت بكوب من الماء وسلطت علية الأشعة فانك ترى قاع الكوب منير, فإذا قمت بتحريك الكوب حتى يصير موجا متحركاً فانك ترى إن قاع الكوب أصبح اقل إنارة عندما كان السطح ثابتا غير متحرك, ويفهم من هذا إن البحر السطحي أيضا عكست عنة أشعة الشمس المتبقية من أشعة الشمس النافذة من خلال السحب لوجود الموج فأصبح البحر السطحي العلوي مظلما على اثر انعكاس الأشعة ودخولها بكمية قليليةجدا .
 
في   الشكل(7) يتبين الاختفاء التدريجي لألوان  الطيف المرئي

 
في هذا الشكل(8)  ترى الضوء يحاول دخول الأمواج الداخلية وتحته البحر المظلم

 
شكل (9) يبين توهن الضوء بشك كبير على  أعماق فى الماء
وبذلك فإن معظم موجات الضوء المرئي تمتص على عمق مئة متر تقريباً من مستوى سطح الماء في البحار والمحيطات‏,‏ ويستمر‏1%‏ منها إلي عمق‏150‏ مترا‏,‏ و‏0,01‏ % إلي عمق‏200‏ متر في الماء الصافي الخالي من العوالق‏.‏
وعلى الرغم من السرعة الفائقة للضوء‏(‏ حوالي‏300,000‏ كيلومتر في الثانية في الفراغ‏,‏ وحوالي‏225,000‏ كيلومتر في الثانية في الأوساط المائية‏),‏ فإنه لا يستطيع أن يستمر في ماء البحار والمحيطات لعمق يزيد علي الألف متر‏,‏ فبعد مائتي متر من أسطح تلك الأوساط المائية يبدأ الإظلام شبه الكامل حيث لا ينفذ بعد هذا العمق سوى أقل من‏0,01‏ % من ضوء الشمس‏,‏ ويظل هذا القدر الضئيل من الضوء المرئي يتعرض للانكسار والتشتت والامتصاص حتى يتلاشي تماماً على عمق لا يكاد يصل إلي كيلومتر واحد تحت مستوى سطح البحر‏.‏ حيث لا يبقى من أشعة الشمس الساقطة على ذلك السطح سوى واحد من عشرة تريليون جزء منها‏,‏ ولما كان متوسط أعماق المحيطات يقدر بنحو‏3795‏ مترا‏ً,‏ وأن أقصاها عمقاً يتجاوز الأحد عشر كيلومترا بقليل‏(11,034‏ متر‏)‏ وبين هذين الحدين تتراوح أعماق البحار والمحيطات بين أربعة وخمسة كيلومترات في المتوسط‏,‏ وبين ثمانية وعشرة كيلومترات في أكثرها عمقا‏.‏ فإن معني ذلك أن أعماق تلك المحيطات تغرق في ظلام دامس‏.‏
  إذا البحر السطحي الذي يعلوه الموج   الذي هو على السطح ونراه بأعيننا والذي يصل عمقه من (200-500م) أصبح مظلما ولكن ليس بالظلام الحالك, وذلك لدخول بعض الأشعة النافذة من سطحه. وهذه الأشعة القليلة النافذة والموجودة في البحر السطحي لابد لها من الانتشار على قلتها فتعمل على الدخول عبر الموج الذي يعلو سطح البحر اللجي ولكنها تصدم بحاجزين يمنعاها من الدخول تماما.
الحاجز الثالث ( ألأمواج الداخلية ) حيث يمتص  ما تبقى من القدر اليسير من الضوء
كيف تتكون الأمواج الداخلية
تلعب الكثافة دوراً هاماً في تكوين هذا النوع من الأمواج حيث تختلف كثافة الماء في البحار العميقة والمحيطات باختلاف كل من درجة حرارته‏,‏ ونسبة الأملاح المذابة فيه‏,‏ حيث تلعب درجة الحرارة وكمية الأملاح المذابة (معظمها كلوريد الصوديوم) دوراً هاماً في  وجود هذه الأمواج الداخلية علاوة على  تأثير قوى المد والجزر وفي تأثير الرياح و تقلبات الضغط ,ويلعب المناخ دوراًهاماً في تمييز هذه الأمواج أفقياً بينما تلعب الكثافة بتمييزها أفقيا فعندما تسافر الأمواج أو تتحرك في مساحات شاسعة بين خطوط عرض مختلفة فإنها تكتسب صفات طبيعية جديدة نظراً لتغير المناخ في تلك المساحة, فتكتسب درجات حرارة جديدة وملوحة نتيجة اختلاف معدلات ارتفاع درجات حرارتها أو انخفاضها ومعدلات البخر وكذلك معدلات سقوط الأمطار وهذا يؤدي بها إلى التحرك رأسيا  وتمايز الماء في البحار العميقة والمحيطات إلى كتل سطحية‏,‏ وكتل متوسطة‏,‏ وكتل شبه قطبية‏,‏ وكتل حول قطبية ولا يتمايز الماء إلى تلك الكتل إلا في البحار شديدة العمق‏,‏ ومن هنا فإن الأمواج الداخلية لا تتكون إلا في مثل تلك البحار العميقة‏,‏ ومن هنا أيضا كان التحديد القرآني بالوصف بحر لجي إعجازا غير مسبوق‏.‏وتتكون الأمواج الداخلية عند الحدود الفاصلة بين كل كتلتين مائيتين مختلفتين في الكثافة‏,‏ وهي أمواج ذات أطوال وارتفاعات تفوق أطوال وارتفاعات الأمواج السطحية بمعدلات كبيرة‏,‏ حيث تتراوح أطوالها بين عشرات ومئات الكيلومترات‏,‏ وتصل سعتها‏(‏ أي ارتفاع الموجة‏)‏ إلي مائتي متر‏,‏ وتتحرك بسرعات تتراوح بين‏ 5 ـ 100‏ سنتيمتر في الثانية لمدد تتراوح بين أربع دقائق وخمس وعشرين ساعة كذلك يبدأ تكون الأمواج الداخلية علي عمق‏40‏ متراً تقريبا من مستوى سطح الماء في المحيطات حيث تبدأ صفات الماء فجأة في التغير من حيث كثافتها ودرجة حرارتها‏,‏ وقد تتكرر علي أعماق أخري كلما تكرر التباين بين كتل الماء في الكثافة‏,‏ وعجز الإنسان في زمن الوحي ولقرون متطاولة من بعده عن الغوص إلي هذا العمق الذي يحتاج إلي أجهزة مساعدة خاصة مما يقطع بإعجاز علمي في هذه الآية الكريمة بإشارتها إلي تلك الأمواج الداخلية‏,‏ وهي أمواج لم يدركها الإنسان إلا في مطلع القرن العشرين‏(‏ سنة‏1904‏ م‏).‏
كيف تعمل الأمواج الداخلية كحاجز أخير للضوء
نستنتج  إن سطح الماء إن كان ثابتا غير متحرك فهو يساعد على نفاذ الضوء الأشعة, ولكن إن كان له حركة كحركة الأمواج فإنهيعوق الأشعة في الدخول والنفاذ ولا يدخلها منها إلا القليل كما حدث في البحر السطحي فإن الموجة تأثر كثيراً فما نفذ منها إلا القليل من أشعة الشمس وهذه الأشعة القليلة جدا النافذة عبر البحر السطحي ليس لها من القدرة في النفاذ والدخول للبحر اللجي السفلى بسبب الأمواج الداخلية التي تعلوا البحر الثاني المضطرب اضطرابا شديداًأضف إلى ذلك الكميات  الهائلة من الأسماك  التي تعلوا هذا الموج لمحاولة النفاذ إلى البحر اللجي وبذلك فإن البحر اللجي تنعدم فيه أي أشعة أو ضوء ولو بمقدار  1 %  لوجود الحاجزين المانعين  وبذلك فإنالبحر اللُّجي غارق في ظلام كامل كما بين الحق سبحانه وتعالى.
يقول الحق سبحانه وتعالى ( ظلمات بعضها فوق بعض ) فهذه الظلمات جمع وليس مثنى أو ظلمة واحدة :
1-    ظلام البحر اللجي الكامل المطلق
2-    ظلام البحر السطحي شبة الكامل
3-    ظلام البحر الواقع بين السحاب وسطح البحر الثاني الذي هو على السطح
فأنت إذا أمام ثلاث ظلمات شديدة حالكة تختلف بالنسبة والدرجة ولكنها ثلاثة ظلمات بعضها فوق بعض , كما وصف القران الكريم لمنتهى الدقة  وربك يخلق ما يشاء.
الحياة داخل البحار العميقة
في الواقع إن من تابع هذا المقال من البداية يجد نفسه وقد استحال علية  التصديق بوجود أي نوع من الحياة في هذه الأعماق السحيقة ولكن الحقيقة غير ذلك   فإذا كان  البحر يموج بالأمواج فانه أيضا يموج أيضا  بالحياة وعند التفكر في الآية مرة أخرى نجد أن هناك إعجازاً علمياً آخر غير الظلمات الثلاثة التي يسببها السحاب والموج السطحي  والموج الداخلي  والبحر اللجي فيا ترى ما هو الإعجاز الآخر ؟
إن تتمة هذه الآية الكريمة تقول " ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور "  فما له من نور فإذا كانت الآية تتحدث عن  ظلمات البحر وخصوصا ظلمات البحر اللجي فان ما سوف يفهمه الإنسان هو الظلام الدامس إلا أن هناك ربط بين الآية وهذا الشطر بالذات   فطالما أن الآية تتحدث عن الظلمات فما العلاقة بين الظلمات ثم التحول   إلى ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور. إن ما تعنيه الآية هو إشارة لطيفة إلى  اسماك الأعماق السحيقة و حيث ينعدم  ضوء الشمس حيث زود الله هذه المخلوقات بالنور فلكل جعل الله له شمسا خاصة به حيث كشف العلم أن البحار والمحيطات العميقة تعج بالكائنات  المضيئة التي زودها الله بالنور وهذا إعجاز علمي آخر.
نعم, في هذا الخضم الهائل والخطورة المتناهية والاضطرابات الفائقة وانعدام الضوء الذي يعتبر أساس الحياة لا يمكن أن يتصور إنسان أن يكون هناك حياة بأي معنى ولكن قدرة الله وعظمة تدبيره تفوق الوصف فسبحانه لا تحده الكلمات ولا يصفه الواصفون ولا يعرفه العارفون خابت كل التصورات عن تحديد عظمتك بالكلمات.
 كيف تولد الأسماك الضوء
الأسماك التي تعيش في الأعماق السحيقة من المحيطات المظلمة زودها الخالق عز وجل  بمقدرتها على توليد الضوء البارد بطريقة لا يملك الإنسان إلا أن يسجد أمام عظمة خالقه، ويسمى هذا الضوء علميا بالضوء البارد أي الضوء الذي لا يصاحبه توليد أي حرارة، وذلك بواسطة أعضاء خاصة تدعى «حاملات الضوء»، وهذه الأعضاء عبارة عن مصابيح صغيرة بسيطة التركيب، لكنها على درجة عالية من الكفاءة، حيث تتركب من قرنية شفافة تتلوها عدسة، ثم عاكس مقعر عبارة عن نسيج خاص يقابل شبكية العين هو المسئول عن توليد الضوء، كما تقوم القرنية والعدسة بتجميع هذا الضوء قبل أن ينبثق خارج جسم السمكة.
وتختلف أعضاء الإضاءة في هذه الأسماك من حيث العدد والتوزيع والتعقيد. وغالبا ما توجد على جانبي الحيوان، أو على بطنه، أو رأسه، ونادراً على سطحه العلوي. وتعتبر قدرة هذه الأسماك على توليد الضوء إحدى عجائب خلق الله في الطبيعة. وقد يكون هذا الضوء باهتا يصدر بشكل متقطع من وقت لآخر، أو قد يكون مبهراً مستمراً. وتعيش هذه الأسماك على أعماق تتفاوت من 1000 إلى 4000 متر تحت سطح البحر، ولذلك يطلق عليها. أسماك الأعماق أو أسماك القاع. 
مئات المعامل الكيمائية على جسم السمكة
   ويطلق العلماء على ظاهرة الإضاءة التي تستخدمها الأسماك ظاهرة الإضاءة الحيوية  (Bioluminescence)  وهذه الظاهرة تحدث داخل أجسام بعض الكائنات الحية مثل الأسماك والتي تعيش داخل المياه المالحة ولا تحدث في المياه العذبة ونادرة الحدوث على الأرض فهي تحدث فقط في نوع من الخنافس وبعض أنواع البكتيريا والفطريات.
كيف تحدث هذه الظاهرة ؟؟؟:-
تحدث هذه الظاهرة نتيجة بعض التفاعلات الكيمائية في جسم الكائن  حيث تتحول الطاقة الناتجة من التفاعل  إلى نور ولكي تتم هذه العملية فان الخالق عز وجل قد أنعم على هذه الكائنات ب:
1-  نوع من الصبغيات يطلق علية علميا ( Luciferin)   
2-   إنزيم يسمى إنزيم   (Luciferase)والذي يعمل كمادة محفزة تساعد على إتمام التفاعل داخل أجسام الأسماك بالإضافة إلى وجود الأكسجين ومصدر للطاقة وهو مركب يسمى( ثالث فوسفات الادينوسين (ATB)مما يؤدى إلى إنتاج مادة تسمى   (Oxyluciferenوينبعث الضوء عند حدوث  هذه التفاعلات
حيثيمكن تمثيل هذا التفاعل بالمعادلة التالية :
[A] + [B] → [◊ عامل محفز ] → [Products] +light
  وتتواجد هذه المواد الكيمائية بصورة دائما داخل تراكيب تسمى الحوامل الضوئية (photophores)وتتوزع هذه الحوامل في أماكن معينة حسب إرادة الخالق لكل نوع من هذه الأسماك  حيث يحدث هذا النوع من التفاعل داخلها.
 
شكل (10) محاكاة هذه الظاهرة معملياً

 وما كان ربك نسياً
هناك أنواع أخرى من هذه الكائنات لا تملك هذه الحوامل فينعم الله عليها بان يجعل نوع من البكتريا المضيئة بذات الطريقة تتعايش معها على سطحها أو بين ثنايا الجلد فينبعث منها الضوء فترى السمكة نتيجة الضوء المنبعث من البكتريا والفطريات.
 ما لون الضوء المنبعث من ظاهرة الإضاءة الحيوية التي تستخدمها هذه الكائنات  ؟؟:-
إن اللون المنبعث يكون إما ازرق أو ازرق مخضر وذلك لسببين هما:-
ـ أن اللون الأزرق والأزرق المخضر يسافر لمسافات طويلة داخل مياه البحار المالحة والمحيطات.
 ـ أن الأسماك حساسة لهذه الألوان فتستطيع رؤيتها بسهولة في الماء.
ونجد في بعض أنواع السمك ينبعث منها ضوء احمر طوله الموجي طويل جدا فلا تراه باقي الأسماك وبهذا فهي ترى الأسماك الأخرى وهم لا يستطيعون رؤيتها فتستخدم هذه الخاصية في افتراس غيرها من الأسماك أو تستخدمها كلغة إشارة بين بعضها البعض.
ولكن هل هناك وظائف أخرى لهذا الضوء
1- تستخدم بعض الأسماك هذا الضوء في جذب فرائسها ثم تقوم بإمساكها بفكها وتلتهمها
2- تستخدم الضوء كوسيلة تخويف وتشويش لباقي الأسماك التي تخاف من هذا الضوء المتوهج وتبتعد عنها
3-  تستخدم هذا الضوء ككشافات ترى بها الطحالب والكائنات الدقيقة والتي تتغذى عليها العديد من اسماك المحيطات الصغيرة.
4-  تستخدم الضوء كلغة  إشارة بين أفراد النوع الواحد فهم يستخدموا إشارات ضوئية فيما بينهم لا يعرفها احد غيرهم
5-  البعض الأخر يستخدم الضوء كشفرات بين الذكور والإناث أثناء موسم التزاوج
فنجد بعض أنواع إناث الأسماك ينبعث منها أضواء ملونة من أماكن مختلفة على أجسامها فتصبح مثل الطاووس في روعتها وجمالها فتجذب الذكور إليها أثناء موسم التزاوج والغريب أن هذه الأضواء المبهرة لا يراها إلا الذكور التابعة لنفس نوع الإناث أما أنواع الذكور الأخرى فلا تراها.
 ومن أشهر أنواع  هذه الأسماك :
 1- سمكة المصباح: Lantern fish
  تعيش في المحيطات على أعماق سحيقة ( ( 1200- 3000 قدم ولكنها تقترب من السطح أثناء الليل بحثا عن الغذاء وتحمل مجموعة من الحوامل الضوئية المركزة أسفل الرأس وعلى سطحها البطن والضوء المنبعث لونه ازرق مخضر وتستخدمه السمكة لجذب فرائسها من السمك.

 
2- سمكة الفأس: Hatchet fish
تعيش أيضا على أعماق كبيرة وتحمل الحوامل الضوئية على سطحها البطنيوينبعث منها إضاءة شديدة تعمل ككشافات تشوش باقي الأسماك فتبتعد عنها ولا تفترسها فهذا الضوء هو وسيلة الدفاع الوحيدة للسمكة.
 3-  سمكة الثعبان: Viper fish
توجد على أعماق من 80-1600 م تحت سطح الماء ويوجد على زعنفتها الظهرية حوامل ضوئية تنتج ضوء مبهر يعمل على جذب الأسماك الأخرى ثم تقوم بالهجوم والتغذية عليها.
 4- سمكة التنين:Dragon fish
وهذه السمكة لا يوجد بها حوامل ضوئية ولكن أجسامها تحمل مجموعة من البكتيريا في منطقتين على جسمها:
المنطقة الأولى: بجانب العين وتعطى الضوء العادي الأزرق المخضر والذي تستخدمه في جذب فرائسها
المنطقة الثانية: أسفل الرأس وينبعث منها ضوء لونه احمر لا يراه أحدا من الأنواع الأخرى من الأسماك كما أن العين البشرية لا تستطيع رؤيته لأنه ذو طول موجي طويل يصل إلى 700 نانوميتر وتستخدم هذا الضوء الأحمر كلغة إشارة بين بعضها البعض دون أن يلاحظها احد من الأسماك الأخرى.
قال تعالى:  ( هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين)لقمان:11
سبحان الله الذي أتقن كل شيء خلقه قال تعالى: ( صنع الله الذي أتقن كل شيء) ( النحل:88)
 رحلة في البحار العميقة لمعرفة قدرة الخالق عز وجل:
 
شكل (11)   هذا النوع من السمك يعرف بين الناس بأسماء كثيرة (Anglefish  ) وهذهالسمكة يصل طولها تقريبا إلى (200سم) ويصل وزنها إلى 30كج
 
 
    شكل (12) منظر بديع ...ماذا يريد أن يقول

 
شكل (13) فم واسع يمكن أن يبتلع فريسة كبيرة
 
 
شكل (14 )

 
شكل (15) ما يميز هذا الكائن هو وجود اللون الأحمر والذي تدخل مادة الكلوروفيل في عملة

 
شكل (16) هذا الكائن يتميز برشاقته وشفافيته ومجساتها الطويلة وعند ما تتعرض لخطر ما فإنها تطلق ألوان خضراء تميل إلى الزرقة حيث تمتلك أكثر من مائة حاملة أضواء ويمكنها أن تفتح فمها بحيث يمكنها أن تبتلع كان يصل حجمه نصف حجمها

 
شكل (17)ويعتبر هذا الكائن عملاقا ضمن فصيلته ويطلق هذا الحيوان ومضات عند محاولته للهروب

 
شكل (18) تستطيع هذه السمكة من عمل مزرعة بكترية من النوع المضيء حيث  تتواجد داخل الجلد وتستخدم   الأضواء في الصيد

 
شكل (19) هذا الكائن العجيب لا يعيش في الأعماق السحيقة وان كان يعيش في المياه الضحلة والعجيب أن هذا الكائن لا يستخدم حاملات الضوء في توليد الضوء ولكنة يستخدم ظاهر انكسار الضوء المحيط بة كما هو الحال في قوس القزح

 
شكل (20) ومصادر الضوء في هذا الكائن لا تعتمد فقط على التفاعل الكيمائي ولكنة يستخدم انكسار الضوء أيضا في إبراز هذه الأشكال الجميلة من الألوان

 
شكل (21) نوع من السمك يستخدم طريقة الإضاءة الحيوية

 
شكل (22) يستخدم هذا الكائن الاضاءة بطريقة فريدة حيث أن الأنوار تنبعث منة فقط فى أوقات محددة
أضغط هنا لمشاهدة مقطع فيديو
 
شكل (24) يعتبر هذا الكائن من أطول الكائنات حيث يصل طولة إلى 40متر وهو حيوان من الحيوانات القادرة على توجيه لدغات خطيرة وقوية

 
 شكل (25) يوجد هذا الكائن على أعماق تزيد عن 2000متر والنقاط الصفراء هي مصدرالضوء

 
شكل (26) يقوم هذا الكائنات بإحداث ومضات كلما تعرض للخطر

 
شكل (27) صورة لكائن بحري وقد الّتقم كائن آخر مضيء وإذا أطفئت أنواره فأن صورة الضحية تظهر

 
شكل (28) يعيش هذا الكائن الجميل قريبا من سطح البحر

 
شكل (29) يعيش هذا الكائن على أعماق سحيقة ويطلق ألوان أنيقة كما لو كانت العاب نارية عند تعرضه للخطر

 
    شكل (30) نوع من السمك يستخدم الإضاءة الحيوية في اصطياد الفريسة
  
 
(30) نوع من السمك واسع الفم طويل الأسنان لدرجة  أن يغلق  فمه تاركا أنيابة كما هي
وصدق الله العظيم إذ يقول:

(بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الأنعام : 101]
عودة إلى الآية
يلفت  المولى عز وجل أنظارنا إلى  الحالة التي يعيشها الكافر ويشبهها  بالبحر اللُّجى  الغارق في الظلام وهى صورة قاتمة تجعلنا نستعيذ بالله من الكفر ونسأله أن يثبتنا على الإيمان ولا شك أن الكفر في أيامنا هذه تقف من ورائه مدلولات نظرية التطور التي ثبت خيبنها  وتم  تفنيد معظم بنودها علميا علاوة على المذاهب والايدولوجيات التي اتخذت من هذه النظرية أساسا تبنى علية اتجاهاتها فمان كان إلا التخبط والحيرة والشك وانعدام الوزن ونشؤ مجموعة من الفلسفات لكي تحل محل الدين ولكن هيهيات هيهيات مزيد من الضياع والحيرة والتخبط وذلك إن كل هذه الفلسفات هي في  مجملها ضد الدين الذي فطر  الله علية الإنسان .
أن القران الكريم وهذا  الدين العظيم الذي تفضل الله بة على البشرية يحمل بين طياته أقوى الأدلة على إلوهية مصدره ولا أكون مبالغا إذا قلت أن كل الأديان السابقة على الرغم ما بها من تحريف تدين إلى هذا الدين العظيم بالفضل الكبير فلولا اعتراف الدين الاسلامى  بها بل جعل هذه الحقيقة من أهم مبادئ الإيمان لسار الشك في إلوهية مصادر هذه الأديان كالنار في الهشيم . أن مراجعة بسيطة لظنون العلماء الذين كانت نشأتهم  في وسط مسيحي  سيبين لنا أسباب موجات الكفر في هذه المجتمعات  فيقول فريدرك نيتشة(Friedrich Nietzche ) "إن الإيمان المسيحي معناه الانتحار المتواصل للعقل البشرى " وعلى الرغم من أنه قد نشأ في أسرة أكليركية إلا إننا نجدة يقول " إن الآله قد مات وسيظل ميتا ونحن  الذين قتلناه "  - تعالى الله علوا كبيرا – وبطبيعة الحال أدى هذا الفكر إلى عصر العدمية ( Nihilism )  وبذلك لم يعد لهذا الإنسان  إلا ذاته وأننا نعيش في عالم عبثي لا معقول ليس فيه اله وبطبيعة الحال العبثية ليس لها مكان في حياة المؤمن حيث  يقول الحق سبحانه  وتعالى ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وانك إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا اله إلا هو رب العرش الكريم * يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك ".
في الواقع إذا ناقشنا مسألة الدين والعلم نجد تطابقا رائعا بين العلم ومسلمات القران فلا وجود لتناقض بين العلم والدين الاسلامى فالعلم يشهد للدين ولذلك لم نجد في ديانة أخرى مثل ما في الإسلام من حض وتشجيع للعلم فكانت أول آية أنزلت تبدأ (أقرأ) ويقول  الرسول محمد (طلب  العلم فريضة على كل مسلم ) وهناك آيات وأحاديث كثيرة تحض على العلم وطلبة فالدين الاسلامى في هذا الِشأن هو دين العلم وإذا كان الإعجاز القرآني  متجدد  فيمكننا أن نقول   أن محمد أيد بالعلم فمعجزته هي العلم وعلى النقيض من هذا نجدا تخوفا كبيرا بين علماء المسيحية واليهودية من إقران العلم بالدين فيقول فرنسيس بيكون في التقرير الذي رفعة إلى الملك جيمس عن كيفية إصلاح التعليم العامة " يجب الحفاظ على هوة عميقة بين العلوم الطبيعية من جهة وبين الدين واللاهوت من جهة أخرى " ويقول آخر " كلنا تقدم العلم تأخر العلم إلى الوراء أما الفيلسوف الانجليزي المادي توماس هوبز (Hoppes)كان يرى أن الدين ليس من أمور الفكر وإنما هو أمر من أمور الاعتقاد .....ولا يجوز الخلط بين العقيدة والعقل فحيث ينتهي العقل تنتهي العقيدة وحيث ينتهي العلم يبدأ الإيمان وهكذا كان يرى هوبز أن الدين والعقل  لا يجتمعان  ويأتي الفيلسوف  الألماني  فيرباخ : Feuerebach  في هجومه على المسيحية فيذهب إلى أن الشيء الحقيقي ليس الله , ولا الوجود  وإنما هي المعطيات الحسية فقط . ويضع فرباخ ما يسمى بدين إنسان مكان الدين المسيحي ويقول أن الشيء الإنساني هو الشيء الالهى  وهو بذلك يتبنى نزعة الحادية بحتة وذلك ناتج عن التناقض الفكري والعلمي الذي تمتلئ بة الكتب المقدسة اليهودية والمسيحية.
ومازلنا في رحلتنا في –أعاذنا الله منة -  ظلمات الكفر نستوضح أسباب الكفر الذي أصاب البشرية في العهود السابقة واللاحقة فها هي فلسفة سارتر ....بعبثيتها ولليس للموت في ذاته عند سارتر أهمية خاصة ....فقط أنة العبث الأخير, وهو لا يقل عيثا عن الحياة بذاتها  فالموت يظهر  عند سارتر في الفلسفة  الوجودية :" جزء من الصفقة"  الحياة والموت على حد تعبيره  ولكن ماذا يحدث عندما تحين ساعة رحيل المرء الكافر من هذه الحياة ؟ أو ماذا يحدث عندما يواجه الإنسان الملحد الموت فعلا ويصبح في لحظاته الأخيرة ؟ إننا لا نرى إلا الفزع يغلفه ويحيط به من كل جانب .....!!! انه  يدرك في تلك اللحظة  الأخيرة _بشعور فطرى _ بأنة لم يحقق الغايات من خلقة وها قد دنت اللحظة الأخيرة لمواجهة الحقيقة الكاملة وجها لوجه ...ويحاول ذلك الإنسان النجاة ....النجاة بأي شكل من الأشكال وبأي ثمن ....ولكن إلى أين يذهب ؟...........حيث يقول المولى له ومن هم على شاكلته
"فأين تذهبون (26) إن هو إلا ذكر للعالمين (27) لمن شاء منكم أن يستقيم "
وتتلاشى الفلسفات وتاريخ العظمة والكبرياء, وتمر أحداث قصة  حياة  الإنسان في لحظات أمام عينة ليدرك أنة قد أمضى حياته في سفسطة كلامية وتعالى على الحقيقة بدلا من إخلاص النية لله .
وتأتى لحظة  الموت لسارتر الذي ضل وأضل بفكرة الملايين فيفزع فزعا شديدا فيطلب من رفيقة حياته في ألم  أن تحضر له قس .....( لعلة يجد فيه راحة وقد بدت له ملائكة الموت ) فتستغرب زوجته من هذا الشيء الذي  ظل يناهضه طوال الحياة فتقول له ( سات هل لك في كاردينالا حيث لازال جنون الكبرياء يسيطر عليها )  ولكنة يرى ضلال المسيحية  في هؤلاء فيقول لها إن الكاردينال غشاش لله ويطلب قس مسكينا مغمورا في قرية مغمورة متناسيا أن لا فرق بين الاثنين فمعتقداتهم واحدة ويأتي القس فيعترف له بهزيمته أمام الموت ولعلها إرادة الله التي احدث هذا الموقف حتى  يفضح هؤلاء وزيف معتقداتهم ولكن بعد فوات الأوان
ويسجل المولى عز وجل اللحظة التي  يعاين فيها الكافر الموت وسكراته في الآية الكريمة التالية:
( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ)( الأنعام :93).
لقد تمكن الشيطان من إسقاط الإنسان في غياهب الظلام ,يساعده في ذلك شياطين الإنس فرحل الدين فالدين والكفر كالنور والظلام ضدان لا يجتمعان في مكان واحد وأصبح المكان فارغا وبحثا عن بديل يسد الفراغ قام علماء الكلمة بإنشاء فلسفات ظاهرها منمق ولكن جوهرها الظلام فمعظمها تنصب على الجانب المادي  والمنفى  بل ووجدت من يدافع عنها ويحارب من أجلها ويهدم المساجد قبل الدين فذهبت أرواح وأما التي بقيت فأرغمت على اعتناق هذه الفلسفات وسيظل السؤال الحائر من المسؤول عن هزيمة الدين في مواجهة العلم والحق يقال أن  الدين ما هزم أبداً ولكن الذين هزموه هم من كانوا يقومون على رعايته فأدخلوا ما لم ينزل الله به من سلطان في هذه الأديان بل وذهب بهم الجهل إلى إدخال الخرافات بين نصوص الدين وغيروا من صفات الله فهو في كتبهم عاجز أحيانا وينسى أحيان ويندم أحيانا بل ويجلس إلى الأحبار كي يتعلم منهم  ثم جعلوه ضعيفا لا يقوى على أن يدافع عن نفسه فيصلب ويقتل بل وأصبحت القدرات البشرية (الأنبياء) شخصيات ناقصة فهي تخون وتزني (حتى زنا المحارم) هذه هي صورة الدين المسيحي واليهودي لا يمتلك  الآليات التي يمكن بها أن يدافع عن نفسه ضد موجات إنكار الله  ولذلك نقول لم يعد على الساحة الآن سوى  الإسلام يمتلك من آليات الدفاع ضد موجات الإلحاد ما يقتلها في مهدها  وصدق رسول الله بقولة" إن الشيطان  قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه " ويمتلك من النصوص التي تصور الله وتقرب  صورة عظمته إلى العقول ويمكن أن  تدرك جزء من هذا العظمة بقراءة أسماء الله الحسنى وتدبر القران وما عليك أن تؤمن  ثم تسجد لله ( فأسجد وأقترب ) كما أنة يعطى صورة صادقة عن أنبياء الله فيجد الإنسان القدوة التي يمكن أن يقتدي بها وفى رسول الإسلام الأسوة الحسنة في كل شيء وذات مرة تسأل السيدة  عائشة عن خُلق النبي فتقول في عبارة موجزة ( كان خُلقه القرآن )  ويا لها  من عبارة صادقة فكانت حياته تفسير عملي للقران .
إلى كل من ينكر وجود الله والى كل من ينكر معجزة القران :
يا أيها ألإنسان ما قدر مكسبك إن كسبت الدنيا وخسرت الله ؟
وما قدر مكسبك إن خسرت  الدنيا وكسبت الله ؟
لسوف يقضى على هذه الحضارة بدون الإيمان بالله
ولسوف تنتهي قصة حياة الإنسان نهاية مظلمة إن لم يؤمن بالله
ولسوف يتهدم الكيان البشرى دون الأليمان بالله
سوف تعم الفوضى في كل مكان دون الإيمان بالله
ولسوف ينحط الإنسان إلى درجة من الحيوانية بدون الإيمان بالله
وأي عبثية تلك التي تنتظر الإنسان إن لم يؤمن بالله
كم من نفس هلكت دون أن ترى النور
فأي مصير ينتظرك يا من ترفض نداء الفطرة  بداخلك
رأينا ولا زلنا نرى
دعوات هدامة لهدم الدين الحق بإثارة الشبهات حوله
ناسين أنة لا يحتاج من البشر من يدافع عنة
لأن بداخلة النور الذي إمامة تتبدد كل دعاوى الظلام 
أن الكفر ظلم عظيم
وخسران مبين
وطريق مسود
وحسرة وندامة 
(وتحسب أنك جرمٌ صغير
وفيك انطوى العالم الأكبر)
بداخل كل منا نداء الفطرة فأستجب لهذا النداء
قبل أن تحين ساعة الرحيل
فعمرك قصير
وان كان مديد
فلابد حتما انك تموت
فأنت  لم تخلق عبثا
(وتحسب أنك جرمٌ صغير
وفيك انطوى العالم الأكبر)
كل شيء ينطق بوجود الله
فكتاب ذو نظام وإعجاز
يشرح لك في إيجاز أسرار الأكوان
ويسرح بك في ألأفلاك
كأنك جرم سماوي
فتعاين الأسرار
يغوص  بك في أعماق النفس
فيأتيك بالأسرار
كأنها كتاب مفتوح بين يديك
ويغوص بك في البحار
فتعود بلالىء الأسرار
وأسرار وأسرار مع كل حرف
تغشوه الأنوار
,إعجاز في كل مكان
في أفلاك هذا الكتاب
لا يملك الجبل كما قال الرحمان إلا
أن يتصدع من خشية الرحمان
ونبي كريم اسلم جسده وروحة إلى مولاة
فيه القدوة وفية خلق القران
يشق صوته الليل بالقران
وفى صدره أزيز  المرجل من خوف الرحمان
تتورم قدماه من كثرة الوقوف بين يدي مولاة
في الشدائد تفوح نفسه بأريج العبقريات
يبكى ويقول اللهم أهدى قومي فأنهم لا يعلمون
ويبكى ويبكى ويقول من يحملني إلى بني فلان وفلان
فأن قومي كذبوني
يسأل ربة أن يحيه مسكينا ويميته  مسكينا ويحشره في زمرة المساكين
 لجدير أن يقف عنده الزمان
يا من تشك في وجود الله
تدبر
في آيات القران
وتدبر في سلوكيات نبي الإسلام
فلعل الله يمن عليك بالإيمان
قبل ساحة الرحيل
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي أظهر كل شيء؟
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر بكل شيء؟
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر في كل شيء عظمته وأبداعة  ؟
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أظهر من كل شيء؟
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الواحد ليس معه شيء؟
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أقرب إليك من كل شيء؟
كيف يتصور أن يحجبه شيء ولولاه ما كان وجود شيء"؟
 وتساءل  مع السائل وفل :
قل للطبيب تخطفه يد الردى ...يا شافي الأمراض من أرداك
وقل للصحيح يموت لا من علة ... من يا صحيح بالمنايا دهاك
وقل للمريض نجا وعفي بعدما ... عجزت فنون الطب من عافاك
وقل للأعمى خطا بين الزحام بلا اصطدام ... من يا أعمى يقود خطاك
وقل للبصير كان يحذر حفرة ... فهوى بها ما الذي أهواك
وقل للجنين يعيش معزولا... بلا راع ولا مرعى من الذي يرعاك
وقل للوليد أجهش لدى ... الولادة بالبكاء ما الذي أبكاك
وإذا رأيت الثعبان ينفش سمه... فقل للثعبان من ذا بالسموم حاشاك
وقل له كيف تعيش أو تحيى ... يا ثعبان وهذا السم يملأ فاك
وإذا رأيت بطون النحل تقاطرت ... شهدا فقل للشهد يا شهد من حلاك
وإذا رأيت اللبن المصفى يخرج... من بين فرز ودم فقل له ما الذي صفاك
ستسمع صوت جميعهم ... أن صانع ذلك هو الخلاق

مجدي عبد الشافي عبد الجواد شهاب
مدير قسم اللغات العالمية
موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القران والسنة 
Magdy_fighter 62@yahoo.com


المراجع
1-آيات الله البحار ( الدكتور صوفي )   
2-الطريق إلى الله ( أحمد   
3-الله والدين والإنسان (دكتور مهندس محمد الحسيني إسماعيل )
4- الله يتجلى في عصر العلم ( تأليف نخبة من العلماء )
5-الإسلام يتحدى( وحيد الدين خان  )
6-مقالات للدكتور زغلول النجار 
7-قطوف من حدائق السنة المطهرة  (دكتور محمد محمد عمارة )
8 ـ مقالة الأسماك المضيئة بقلم إعداد مروة عزمي مختار جنينة
1)Oceans, Elder and Pernetta, p. 27.
(2)Oceanography, Gross, p. 205.
(3)Oceanography, Gross, p. 205.
 


---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------



الكتل البحرية
تاريخ المقال : 27/7/2011 | عدد مرات المشاهدة : 7761

تمتد تيارات الماء متميزة الصفات في المحيطات وتختلف كل منطقة عن التي تجاورها في درجة الملوحة وعدد من الصفات بلا امتزاج
الدكتور محمد دودح
الباحث في الهيئة العالمية للاعجاز العلمي في القرآن والسنة في مكة المكرمة
الكتل البحرية قال تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ. بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاّ يَبْغِيَانِ﴾ الرحمن 19و20.
الدلالة العلمية: لفظ (البحر) يمكن أن يطلق علي البحر المالح أو النهر العذب‏‏,‏ وإذا أطلق بغير تقييد اقتصر علي البحر المالح, ولفظ (مرج‏‏) يدل علي المجيء والذهاب‏ والتردد‏ والاختلاط والاضطراب‏,‏ ولذلك قيل‏ (مرجت‏)‏ أمانة القوم أي اضطربت‏,‏ و‏(‏مرج‏)‏ الأمر اذا اختلط, ومنه ‏(‏الهرج والمرج‏),‏ وأمر‏(مريج‏)‏ أي مختلط‏,‏ و‏(‏المرج‏)‏ مرعي الدواب‏ حيث‏ يكثر فيها النبات ‏(‏فتمرج‏)‏ الدواب فيه وتختلط‏,‏ فأصل ‏(المرج‏)‏ هو الخلط‏,‏ وقوله ‏تعالي:‏ (مرج البحرين) أي أفاض أحدهما بالآخر‏‏ وجعلهما يختلطان دون امتزاج‏‏ كما تختلط الدواب في المرعى؛ ‏أي دون أن يغير أحدهما صفات الآخر, والبرزخ‏ حاجز؛ فلا يبغي أحدهما على الآخر فيغير صفاته, إذن ليس ماء البحر المالح إلا كتل لكل منها خصائص مميزة كالحرارة والتركيب والكائنات البحرية.
التوافق مع العلوم الحديثة: بقياس كل من درجات الحرارة ونسبة الملوحة في كتل الماء التي تملأ البحار والمحيطات المختلفة‏,‏ والتي تغطي حوالي‏71%‏ من مساحة سطح الأرض المقدرة بخمسمائة وعشرة ملايين من الكيلومترات المربعة‏,‏ اتضح تباينها تباينا ملحوظا من بحر إلي آخر‏,‏ وحتى في البحر الواحد‏ نجد التمايز قائم أفقيا ورأسيا‏‏‏,‏ وكل كتلة مائية منها تمثل بيئة حيوية لها تجمعاتها الخاصة بها من الأحياء البحرية من بعض الأنواع‏,‏ والتباين في كل من درجات الحرارة ونسبة تركيز الأملاح في ماء البحار والمحيطات يؤدي إلي تباين في كثافتها‏,‏ مما يعين علي تحديد تلك الكتل المائية المتباينة علي الرغم من محاولة الأمواج والتيارات البحرية خلطهما مع بعضها البعض‏, وتتحرك كتل الماء السطحية بين مساحات كبيرة شمالا وجنوبا فتتغير صفاتها بتغير الظروف البيئية التي تنتقل إليها‏,‏ وعندما تتغير كثافة الكتلة المائية السطحية فإنها تغوص في وسط ماء أقل كثافة حاملة معها بعض صفات ماء المنطقة السطحية التي كانت فيها إلي أعماق المحيط إن لم تحمل تلك الصفات كلها فتؤدي إلي تغيير كبير في صفات الماء بتلك الأعماق‏,‏ كما تعين علي تحديد المصادر التي جاءت منها مهما تباعدت مسافات تلك المصادر إلي آلاف الكيلومترات‏,‏ ومع اختلاط الماء من مصادر مختلفة تتغير صفات الكتل المائية باستمرار؛ في المحيط الواحد وفي البحر الواحد وبين البحار والمحيطات المختلفة.‏ وينقسم الماء السطحي في المحيطات علي أساس من التباين في درجات الحرارة ونسبة الملوحة إلي كتل متباينة, وعلي سبيل المثال فإن الماء السطحي في الجزء الشمالي من المحيط الأطلسي يعتبر أكثر أجزاء المحيطات ملوحة‏,‏ بينما يعتبر الماء السطحي في شمال المحيط الهادي أقلها ملوحة‏,‏ وتتباين كذلك كتل الماء متوسط العمق في المحيطات,‏ وأوضح نموذج لكتل الماء العميق في البحار والمحيطات يقع في الجزء الشمالي الغربي من المحيط الأطلسي‏, وأما الماء شديد العمق فقد عرف حديثا أن المحيط القطبي الجنوبي يحوي فوق قاعه كتلة من الماء تعتبر أعلى ماء الأرض كثافة‏,‏ وهكذا تتنوع كتل ماء البحار جميعا في الصفات وتبقى كل كتلة منها محتفظة بصفاتها؛ تماما كما وصفها القرآن الكريم.
‏وترتبط جزيئات الماء مع بعضها بعضا بتجاذب الشحنات الكهربية, وتعرف هذه الخاصية باسم اللزوجة الجزيئية‏,‏ وهي من أهم الصفات المؤثرة في ماء البحار والمحيطات التي تجعله يختلط ولا يمتزج امتزاجا كاملا أبدا‏.‏ وشدة تماسك وتلاصق جزيئات الماء هي التي أعطته بتدبير من الله‏ تعالى‏ العديد من صفاته المميزة مثل شدة توتره السطحي‏,‏ وميله إلي التكور على ذاته علي هيئة قطرات بدلا من الانتشار الأفقي علي السطح الذي يسكب عليه‏,‏ وفي تكوين ذلك الحاجز غير المرئي بين كل ماءين مختلفين في صفاتهما من مثل الماء العذب والمالح‏,‏ والماءين الملحين المتباينين‏,‏ فيجعل كل بحرين متجاورين معزولين؛ رغم فعل التيارات البحرية والأمواج‏ من الحركة ذهابا وإيابا ولكن بغير اختلاط, ‏ إنها حقيقة لم يصل إليها العلم إلا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي‏‏ ولم تدون في كتاب قبل منتصف الأربعينيات من القرن العشرين‏,‏ فهل من تفسير لورودها صريحا في القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرنا من الزمان خلت سوى الوحي!.

Related References:
1.      Alldredge, A. L. & Gotschalk, C. Limnol. Oceanogr. 33, 339−351 (1988).
2.      Asper, V. L. Deep Sea Res. 34, 1−17 (1987).
3.      Deuser, W. G. Deep Sea Res. 33, 225−246 (1986).
4.      Lohrenz, S. E. et al. Deep Sea Res. (in the press).
5.      Michaels, A. F., Silver, M. W., Gowing, M. M. & Knauer, G. A. Deep Sea Res. 37, 1285−1296 (1990).
6.      Knauer, G. A. & Martin, J. H. Limnol. Oceanogr. 26, 181−186 (1981).

-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------



وينشئ السحاب الثقال - معجزة علمية
تاريخ المقال : 4/9/2010 | عدد مرات المشاهدة : 17835


 الدكتور منصور أبو شريعة العبادي
جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
  إن الوصف الدقيق الذي وصفه القرآن الكريم للطريقة التي تتكون من خلالها الغيوم أو السحب في سماء الأرض وكذلك ذكره لأنواع هذه الغيوم ينفي نفيا قاطعا أن يكون هذا القرآن من تأليف البشر بل هو منزل من لدن عليم خبير سبحانه وتعالى. ومما يثير الدهشة أن عالم الأرصاد الجوية الإنجليزي لوك هوارد (Luke Howard) عندما قام في مطلع القرن التاسع عشر بوضع تصنيف لأنواع الغيوم أعطى لأحد أنواعها نفس التسمية القرآنية لهذا النوع وهي السحب الركامية حيث أعطى هوارد الكلمة اللاتينية (Cumulus) والتي تعني ركام أو متراكم.
 بل إن الأعجب من هذا أن القرآن الكريم قد أكد على أن البرد لا ينزل إلا من غيوم لها امتدادات في السماء تظهر لمن يراها من أعلاها كأنها الجبال وهو ما أظهرته الصور التي التقطتها الطائرات والأقمار الصناعية. ومما يثير العجب أيضا أن يصف القرآن الكريم بعض السحب بأنها ثقيلة وهذا ما لا يمكن أن يستوعبه عامة الناس فالغيوم بكل أنواعها تطير في الهواء فكيف يمكن أن يكون بعضها ثقيلا وبعضها الآخر خفيفا. ولكن علماء الأرصاد في العصر الحديث يعلمون جيدا ما معنى أن تكون السحب ثقيلة بل ويطلقون عليها اسم السحب الثقيلة (Heavy clouds) وهي سحب محملة بكميات كبيرة من الماء فلا تكاد تطير في الهواء بسبب ثقلها ولذا نراها قريبة من سطح الأرض كما يظهر في الصورة العليا وصدق الله العظيم القائل "هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12)" الرعد.
  لقد أكد القرآن الكريم في آيات كثيرة على وجود معجزات كثيرة في هذه السحب التي تتكون في السماء وحث البشر على التفكر فيها لكي يكتشفوا الآليات العجيبة التي تقف وراء تكونها بهذه الأشكال العجيبة فقال عز من قائل "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)" البقرة.
 ولقد اكتشف العلماء في القرن العشرين حقائق مذهلة عن آليات تكون السحاب وطرق نزول المطر منه والآليات التي تضمن وصول المطر إلى مختلف مناطق اليابسة. إن المادة الخام اللازمة لتشكل السحب هو بخار الماء الذي يصعد من المسطحات المائية المختلفة وعلى الأخص المحيطات وذلك بفعل حرارة الشمس وكذلك البخار الذي يخرج من أجسام الحيوانات والنباتات. إن عملية نقل الماء من المحيطات وتوزيعها على اليابسة تتم بآليات  بالغة الإتقان حيث تستخدم الطاقة الشمسية لتبخير الماء من المحيطات بدون أن يتم رفع درجة حرارة الماء إلى درجة الغليان.
الشكل يوضح دورة تشكل الأمطار
 ويقدّر العلماء كمية الماء المتبخر من المحيطات في السنة الواحدة  بأربعمائة وعشرين ألف كيلومتر مكعب ومن اليابسة بسبعين ألف كيلومتر مكعب وتحتاج هذه الكمية الهائلة من الماء المتبخر إلى  كمية هائلة من الطاقة تقدّر بمائتين وخمسين مليون بليون كيلواط ساعة في السنة الواحدة. وتتكفل الشمس بتوفير هذه الكمية الهائلة من الطاقة لعملية تبخير الماء من خلال الإشعاع الذي يصل إلى الأرض على شكل أمواج ضوئية وحرارية.
ولو قدر لهذه الكمية الهائلة من الماء المتبخر أن تنزل دفعة واحدة على سطح جميع القارات لوصل ارتفاع الماء عليها إلى عشرة أمتار ولكن من لطف الله بعباده أن 380 ألف كيلومتر  مكعب منها ينزل على المحيطات بينما ينزل على اليابسة فقط مائة ألف كيلومتر مكعب تقريبا. وبما أن بخار الماء أقل كثافة من الهواء فإنه يصعد إلى الأعلى ليختلط بالهواء الملامس للمسطحات المائية فيصبح الهواء رطبا وتعتمد كمية بخار الماء التي يمكن للهواء أن يحتويها على درجة الحرارة. إن من أهم الآليات التي يعتمد عليها تشكل السحاب هي أن كمية بخار الماء التي يحتويها الهواء تزداد مع زيادة درجة الحرارة فالمتر المكعب من الهواء على سبيل المثال يمكنه أن يحمل حتى 30  غرام من البخار عند 30 درجة مئوية ولا يمكنه أن يحمل أكثر من ذلك عند هذه الدرجة  ويسمى هذا الحد بحد التشبع أو ما يسمى بنقطة الندى (Dewpoint).
 وإذا ما انخفضت درجة حرارة الهواء إلى عشرة درجات مئوية فإن المتر المكعب من الهواء لا يمكنه أن يحمل أكثر من  تسعة  غرامات من البخار وإذا ما انخفضت درجة حرارة الهواء  أكثر فأكثر فإن كمية البخار فيه تقل إلى كمية لا تكاد تذكر.  وعلى هذا فإن الهواء المشبع ببخار الماء عندما يبرد يحول بخار الماء الزائد عن حد الندى عند درجة الحرارة الجديدة إلى قطرات من الماء فالمتر المكعب من الهواء المشبع تماما بالبخار عند درجة 30 مئوية ينتج 21 غرام من الماء عندما يبرد إلى درجة 10 مئوية.
أما الآلية الثانية التي يعتمد عليها تشكل السحب فهي أن درجة حرارة الجو تقل تدريجيا مع ارتفاعه عن سطح البحر حيث تقل درجة حرارته بمعدل ستة درجات مئوية تقريبا لكل كيلومتر في الارتفاع. إن هذه الخاصية هي التي تعمل على تحويل بخار الماء المنبعث من أسطح المحيطات إلى غيوم ومن ثم إلى ماء ليعود إلى الأرض ثانية ولولا هذا التقدير في الخلق لاختفى الماء من الأرض منذ زمن بعيد حيث أن بخار الماء أخف من الهواء ولذا فإنه سيهرب إلى الفضاء الخارجي لولا هذه الخصائص العجيبة.
 إن بخار الماء المنبعث من المحيطات سيعود إليها حتما أثناء ارتفاعه إلى الأعلى بسبب نكثفه إلى ماء مع انخفاض درجة حرارة طبقات الجو الأعلى ولكن المطلوب هو إيصال هذا الماء إلى اليابسة لإدامة حياة الكائنات عليها.
 يتم إيصال الماء المتبخر من المحيطات والبحار إلى اليابسة من خلال الآلية الثالثة وهي الرياح فبدونها ستبقى اليابسة صحراء مقفرة لا حياة عليها رغم وفرة المياه في المحيطات. إن ظاهرة الرياح على الأرض ظاهرة عجيبة لا يمكننا أن نخوض في تفصيلاتها في هذه المقالة وسنفرد لها مقالة خاصة ولكن سنشرح بعض خصائصها التي ستساعدنا على شرح ظاهرة السحب. تنشأ الرياح بسبب اختلاف درجة حرارة سطح الأرض فهو أشد حرارة عند خط الاستواء وتقل تدريجيا كلما تحركنا باتجاه القطبين.
الشكل يوضح جهة حركة الرياح على كوكب الأرض
 وبما أن كثافة الهواء تقل مع ارتفاع درجة الحرارة فإن الضغط  الجوي عند خط الاستواء أقل منه عند القطبين مما  يعمل على تحرك الهواء من القطبين باتجاه خط الاستواء بسرعات عالية منتجا ظاهرة الرياح. ويكون اتجاه الرياح من الشمال إلى الجنوب في النصف الشمالي من الكرة الأرضية ومن الجنوب إلى الشمال في النصف الجنوبي.  ولكن وبسبب دوران الأرض وما حولها من الغلاف الجوي حول محورها فإن اتجاه حركة الرياح ينحرف إلى الغرب قليلا عند القطبين مما يؤدي إلى ظهور ثلاثة أنماط مسيطرة من اتجاهات الرياح في كل نصف  من الكرة الأرضية كما تبين الصورة المرفقة. ولكن وبسبب اختلاف الحرارة النوعية بين البر والبحر وبسبب وجود تضاريس معقدة على البر  وبسبب تأرجح محور دوران الأرض فإن حركة الرياح عند سطح الأرض تشذ عن هذه الحركة العامة في كل منطقة من الأرض منتجة أنماط لا حصر لها من حركة الرياح تتحدد حسب موقع المنطقة وفي أي وقت من السنة. وبسبب هذا التعقيد في العوامل التي تحدد حركة الرياح فإنه من الصعب التنبؤ باتجاه حركتها وكذلك سرعتها بشكل دقيق.  تلعب الرياح الدور الرئيسي في تشكل السحب وفي نقل الماء من المحيطات إلى اليابسة وقد أكد القرآن الكريم في آيات كثيرة على هذا الدور البارز للرياح فقال عز من قائل " وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)" فاطر والقائل سبحانه "وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)" الأعراف.
 وتدبر معي أخي القارئ في الآية السابقة قوله تعالى "إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ " والتي تؤكد على عملية نقل الماء من المحيطات إلى اليابسة فبخار الماء الذي تنتجه المحيطات لا فائدة منه لولا الرياح فهي التي تمر عليه لتحمله بعيدا عن المحيطات ليسقط على اليابسة. وإلى جانب نقلها للسحب من مكان إلى مكان تعمل الرياح بما تحمله من ذرات الرمال والغبار والدخان على تكثيف بخار الماء على هذه الجسيمات الدقيقة وصدق الله العظيم القائل "وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)" الحجر.
 أما الآيات التي تبين بطريقة علمية دقيقة خطوات تشكل السحب من بخار الماء فهي قوله تعالى  "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43)" النور وقوله تعالى "اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48)" الروم .
ولكي يتضح للقارئ وجوه الإعجاز في هذه الآيات ومدى دقة التعبير القرآني  في وصف عملية تشكل السحب وكذلك أنواعها لا بد من شرح مبسط  لما اكتشفه العلماء من حقائق حول طرق تكون السحب وكذلك أنواعها.
  تتشكل السحب كما ذكرنا سابقا نتيجة لتكثف بخار الماء الذي في الهواء عندما يبرد وتصل درجة حرارته إلى درجة الحرارة الحرجة وهي الدرجة التي يصل عندها البخار إلى حد التشبع (نقطة الندى).
وتقوم الرياح بمهمة نقل بخار الماء من المحيطات أو من المناطق الرطبة في اليابسة إلى طبقات الجو الباردة لكي يتكثف ويتحول إلى مطر  ينزل إلى الأرض وذلك من خلال عدة طرق.
الشكل يوضح دور الرياح في نقل بخاء الماء
 أولها من خلال التيارات الهوائية الصاعدة والتي تتولد عندما يسخن سطح الأرض فيتمدد الهواء الملامس له فتقل كثافته ويرتفع إلى الأعلى حاملا معه بخار الماء والذي يتكثف ليكون السحاب على ارتفاعات مختلفة وذلك حسب درجة رطوبة الهواء والتي كلما قلت كلما ازداد ارتفاع السحب المتكونة, أما الطريقة الثانية فهي من خلال قيام الرياح بحمل البخار من المحيطات وعندما تصل إلى السلاسل الجبلية على اليابسة فإنها ترتفع نتيجة لاصطدامها بها فتصل إلى طبقات الجو الباردة فيتكثف البخار وتتكون السحب.
وأما الطريقة الثالثة فهي من خلال التقاء جبهتين هوائيتين أحدهما دافئة رطبة والأخرى باردة جافة وعند اصطدامهما ترتفع الجبهة الدافئة فوق الباردة بسبب خفة وزنها فتصل بما فيها من البخار إلى الطبقات الباردة ليتحول إلى سحاب, وأما الطريقة الرابعة فهي من خلال هبوط درجة حرارة الهواء المشبع بالبخار إلى ما دون الدرجة الحرجة فيتحول بخار الماء إلى سحاب أو ضباب أو ندى.  وعندما يتحول بخار الماء بإحدى هذه الطرق إلى سحاب فإنه يكون على شكل رذاذ (water droplet) وهي قطرات ماء بالغة الصغر لا يتجاوز قطرها 20 ميكرومتر  أو على شكل بلورات ثلجية صغيرة في حالة تكون السحاب عند درجات حرارة دون درجة تجمد الماء. ومن الجدير بالذكر أن البخار لكي يتكثف  يلزمه وجود مواد صلبة بالغة الصغر يطلق عليها اسم نوى التكاثف (Condensation nuclei)  وهي متوفرة بكثرة في الجو كالغبار والدخان وحبوب اللقاح وأملاح البحر التي تعلق ببخار الماء عند تبخره ولا يتجاوز قطر هذه الجسيمات الميكرومتر الواحد. وعند وصول هذه السحب إلى مناطق باردة فإن رذاذ الماء يتجمع ليكون قطرات الماء والتي قد يصل حجمها إلى 20 ملليمتر أو ليكون حبات البرد التي قد يصل قطرها لعدة سنتيمترات أو ليكون  رقاقات الثلج ذات الأشكال العجيبة. لقد تم تصنيف السحب إلى أنواع مختلفة وذلك حسب شكلها وارتفاع قاعدتها عن سطح الأرض وكذلك فيما إذا كانت ماطرة أو غير ماطرة.
الشكل يوضح أنواع السحاب بحسب أرتفاعها
فمن حيث الشكل صنف العالم الانجليزي هوارد السحب من حيث شكلها إلى ثلاثة أنواع أساسية وهي السحب الركامية (cumulus) وهي سحب كثيفة لكنها كالصوف المنفوش وقد تكون متقطعة وتغيير شكله بشكل سريع وتتكون من عدة طبقات تتراكم فوق بعضها البعض وسمكها في المتوسط عدة كيلومترات  وقد يصل ارتفاع قمتها إلى خمسة عشر كيلومتر عند خط الاستواء والسحب الطبقية (stratus) وهي سحب رقيقة ومتصلة رمادية أو بيضاء اللوم وتكون على شكل طبقة واحدة لا يتجاوز سمكها عدة مئات من الأمتار والسحب السمحاقية أو القزعية (cirrus) وهي سحب عالية وخفيفة بيضاء اللون تكون على شكل قطع صغيرة تخرج منها امتدادات على شكل ذيل الفرس.
 أما من حيث الارتفاع فقد تم تصنيفها إلى ثلاثة أنواع وهي السحب المنخفضة والتي لا يتجاور ارتفاع قاعدتها عن سطح الأرض كيلومترين اثنين والسحب المتوسطة والتي يتراوح ارتفاع قاعدتها بين كيلومترين وستة كيلومترات والسحب العالية والتي يتراوح ارتفاع قاعدتها بين ستة كيلومترات وخمسة عشر كيلومتر. ولا توجد السحب (cirrus) إلا في الارتفاعات العالية بينما يمكن أن توجد السحب الركامية والطبقية عند جميع الارتفاعات فهناك السحب الركامية العالية (Cirrocumulus) والمتوسطة(Altocumulusِِ) والمنخفضة (cumulus) وكذلك الحال مع السحب الطبقية. وأما من حيث المطر فقد أطلق العلماء على السحب التي يمكن أن ينزل منها المطر اسم السحب الماطرة أو المزن (nimbus) فالسحب السمحاقية غير ماطرة بينما بعض السحب الركامية والطبقية تكون ماطرة وفي هذا الحال تسمى المزن الركامية (Cumulonimbus) والمزن الطبقية (nimbostratus).  
صورة لسحابة ركامية
ومن الواضح من الآيات القرآنية السابقة أنها تتحدث عن نوع محدد من السحب وهي السحب الماطرة أو المزن وبالتحديد المزن الركامية والتي تسمى السحب أو العواصف الرعدية  ولذا سنشرح بشيء من التفصيل هذا النوع من السحب لنرى مدى التوافق بين ما أوردته الآيات القرآنية عن مواصفاتها وما اكتشفه العلماء عنها.
 فالسحب الرعدية تنمو بشكل رأسي وتكون قاعدتها على ارتفاع يتراوح بين 300 و 500 متر عن سطح الأرض وقد  تمتد  قمة السحابة إلى ما يزيد عن عشرة كيلومترات وهي داكنة اللون  عند أسفلها وبيضاء عند أعلاها. وتتكون مثل هذه السحب الرعدية في حالة عدم استقرار الجو وفي الغالب عند التقاء كتلتين هوائيتين أحدهما باردة جافة والأخرى دافئة رطبة مما يدفع الكتلة الهوائية الدافئة للصعود إلى الأعلى مكونة مثل هذه السحب التي تتميز بوجود تيارات هوائية صاعدة وأخرى هابطة في داخلها.  وينتج عن الاحتكاك بين مكونات هذه السحب بسبب السرعات العالية للتيارات الهوائية شحنات كهربائية موجبة وأخرى سالبة تعمل التيارات الهوائية بفصلها عن بعضها البعض منتجة فرقا في الجهد بينها قد يصل إلى 380 كيلوفولت وعند تفريغ هذه الشحنات يحدث البرق يتبعه الرعد.
تظهر السحب أو العواصف الرعدية على شكل خلايا (Multicell cluster storms) يبلغ قطر الواحدة منها مابين 2 إلى 5 كيلومتر
وقد تظهر السحب أو العواصف الرعدية على شكل خلايا (Multicell cluster storms) يبلغ  قطر الواحدة منها مابين 2 إلى 5 كيلومتر وهذه الخلايا تتكون تباعا وليس في نفس الوقت.  وفي بعض خلايا السحب الرعدية يظهر  في مقدمة السحابة من أسفلها جزء اسطواني الشكل  ينتج عن الدوامات الهوائية في داخلها  كما يظهر في قمة  السحابة جزء على شكل السندل (anvil) وذلك بعد أن تضعف شدة العاصفة.
 وفي كل خلية يحمل التيار الهوائي الصاعد الذي قد تصل سرعته إلى مائة كيلومتر في الساعة بخار الماء من أسفل السحابة إلى طبقات الجو العليا ذات درجات الحرارة المتدنية التي قد تصل إلى خمسين درجة تحت الصفر فيتحول بعضه إلى ماء وبعضه إلى برد وثلج والتي تنزل إلى الأرض مع تيار الهواء الهابط التي تبلغ سرعته ثلاثين كيلومتر في الساعة.
 وتعتمد كمية الماء في الخلية الواحدة على نصف قطرها وارتفاعها فخلية بقطر ثلاثة كيلومترات وارتفاع ستة كيلومترات قد تحتوي على ما يقرب من نصف مليون طن من الماء. ونأتي الآن على شرح الآيات القرآنية السابقة والمتعلقة بتشكل السحاب على ضوء الحقائق العلمية التي شرحناها آنفا, فالحقيقة الأولى التي أكدت عليها الآيات القرآنية هو أن الرياح تلعب الدور الرئيسي في عملية تكون السحب فهي التي تقوم بنقل بخار الماء من فوق البحار إلى اليابسة وهي التي تقوم برفعه إلى طبقات الجو الباردة لكي يتكثف ويتحول إلى ماء أو برد أو ثلج وهي التي تجلب ذرات الرمال والغبار اللازمة لعملية تكثيف البخار كما في قوله تعالى " اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا" وقوله تعالى " وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ".
أما الحقيقة الثانية فهي أن السحاب يأخذ أشكالا لا حصر لها في جو السماء تدعو للتدبر والتأمل وتثير البهجة في النفوس لقوله تعالى "فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ ".
الشكل يوضح دور ا لرياح في تشكل السحب الركامية ثم نزول المطر والبرد
 أما الحقيقة الثالثة فهي ضرورة تجميع كميات كبيرة من بخار الماء في حيز واحد لكي يتم الحصول على كميات ماء كافية وهذا يتم من خلال تراكم الغيوم فوق بعضها البعض  لقوله تعالى "ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا". أما الحقيقة الرابعة فهي أن البرد لا يمكن أن يتكون إلا في طبقات الجو الباردة جدا وهذا يلزم رفع الغيوم لارتفاعات عالية تصل لما يزيد عن عشرة كيلومترات ولذا نجد أن بعض خلايا السحب الرعدية تبرز كالجبال فوق مستوى السحابة حيث يتكون البرد فيها لقوله تعالى "وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ".
 أما الحقيقة الخامسة التي ذكرتها الآيات القرآنية وهي الأعجب أن السحب الرعدية يجب تقسيمها إلى خلايا لكي تتمكن من تكثيف ما بها من بخار بكفاءة عالية وفي وقت قصير كما شرحنا ذلك آنفا وذلك مصداقا لقوله تعالى "وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ".
 أما الحقيقة السادسة فهي تأكيد الآيات على حقيقة وجود سحب ثقيلة تحمل كميات كبيرة من الماء تقاس بملايين الأطنان وذلك في قوله تعالى "حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا" وقوله تعالى "وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ". أما الحقيقة السابعة فهي ربط حدوث البرق مع هذا النوع من السحب الرعدية وهذا هو الحال فالبرق لا يتولد إلا بوجود مثل هذه السحب كما قال تعالى " يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ". وبعد هذا الشرح لهذه الآيات القرآنية ومطابقتها لما اكتشفه العلماء من حقائق علمية عن السحب بعد مرور ما يزيد عن  1400 عام من نزول القرآن هل يمكن لإنسان عاقل ومنصف أن ينسب هذا القرآن الكريم لإنسان أمي عاش في بيئة صحراوية لا تظهر فيها السحب الرعدية إلا نادرا. إن الذي يتحدث عن هذه السحب بكل ثقة وبتأكيد لا يساوره أي شكل فيعطي تفصيلات بالغة الدقة عن تركيب هذه السحب لا زال أكثر الناس في هذا العصر  يجهلها هو من خلق هذه السحب وهو من أنزل هذا القرآن وهو القائل سبحانه "إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا(98) " طه. 
 يمكن مشاهدة مقاطع الفيدوا التالية التي تصور تشكل السحاب الركامي الممطر
المقطع الأول
 
 المقطع الثاني


 المقطع التالي يصور دور الرياح في سوق السحاب ثم هطول المطر والرعد


المراجع
 1-   القرآن الكريم 2-  تفسير القران العظيم للإمام الحافظ عماد الدين ، أبو الفداء اسماعيل بن كثير القرشى الدمشقي
للتواصل مع الكاتب: mabbadi@just.edu.jo
  لمزيد من المقالات للكاتب: http://mansourabbadi.maktoobblog.com

------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

التصوير القرآني لأضرار الصعود في الفضاء
تاريخ المقال : 28/8/2010 | عدد مرات المشاهدة : 14316


صورة لرائد فضاء يسبح في الفضاء بلباس الفضاء
بقلم الأستاذ الدكتور كارم غنيم
رئيس جمعية الإعجاز العلمي للقرآن في القاهرة
يقول الله تعالى في كتابه المجيد : (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّد فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ(.
أورد النيسابوري في " غرائب القرآن ورغائب الفرقان " قول الليث حول شرح الصدر وضيقه : شرح الله صدره فانشرح، أي : وسعه بقبوله ذلك الأثر، ولا شك أن توسيع الصدر غير ممكن على سبيل الحقيقة، ولكن هاهنا معنىً وهو : أنه إذا اعتقد الإنسان في عمل من الأعمال أن نفعه زائد وخيره راجح، مال طبعه إليه، وقوى طلبه ورغبته في حصوله، وظهر في القلب استعداد شديد لتحصيله، فسميت هذه الحالة : سعة الصدر" وإن حصل في القلب علم أو أعتقاد أو ظن بكون ذلك العمل مشتملاً على ضرر زائد، ومفسدة راحجة، دعاه ذلك إلى تركه، وحصل في النفس بنوةٌ (إعراض) عن قبوله، فيقال لهذه الحال " ضيق الصدر" لأن المكان إذا كان ضيقاً لم يتمكن الداخل من الدخول إليه، وإذا كان واسعاً قدر على الدخول فيه.
وأكثر استعمال شرح الصدر في جانب الحق والإسلام.
وفي معنى قول الله تبارك وتعالى : (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء)يقول ابن كثير في (تفسير القرآن العظيم) : وقال ابن المبارك عن ابن جريج : ضيقاً حرجاً بلا إله إلا الله، حتى لا يستطيع أن تدخله، كأنما يصعد في السماء من شدة ذلك عليه. ويورد النيسابوري قول الزجاج " الحرج " في اللغة أضيق الضيق، ثم (يصّعَّد في السماء) كأنما يزاول أمراً غير ممكن، لأن صعود السماء يمتنع ويبعد عن الاستطاعة، فكان الكافر في نفوره من الإسلام وثقله عليه بمنزلة من يتكلف الصعود إلى السماء... وأما كلام النيسابوري بعدم الاستطاعة على صعود البشر السماء فثبت خطأه في القرن العشرين الميلادي، إذ استطاع البشر أن يصعدوا في طبقات السماء " الأولى " ويجوزوا الفضاء ويتجولوا بين أجرامه.
ونعود إلى كلام النيسابوري في شرح وتفسير قول الله تبارك وتعالى : (كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ)[الأنعام : 125]، أي : كما جعل ضيق الصدر في قلوبهم، كذلك يجعل الرجس عليهم. أما الرجس فتنوع معانيه عند المفسرين، بين الشيطان، وما لا خير فيه، والعذاب، واللعنة في الدنيا، والعذاب في الآخرة.
ومن المفسرين المحدثين محمد الطاهر بن عاشور الذي يقول في تفسيره المسمى (التحرير والتنوير) : إن حال المشرك حين يدعى إلى الإسلام أو حين يخلو بنفسه فيتأمل في دعوة الإسلام، بحال الصاعد، فإن الصاعد يضيق تنفسه في الصعود... والسماء يجوز أن تكون بمعناها المتعارف ويجوز أن تكون الجو الذي يعلو الأرض.
ويقول الدكتور : محمد محمود حجازي في (التفسير الواضح) : فمن يرد الله أن يهديه للحق ويوفقه للخير يشرح صدره للقرآن، ويوسع قلبه للإيمان، فعند ذلك يستنير الإسلام في قلبه ويتسع له صدره. وهكذا يكون عند من حسنت فطرته، وطهرت نفسه وكان فيها استعداد للخير وميل إلى أتباع الحق. ومن فسدت فطرته، وساءت نفسه، إذا وطلب إليه أن ينظر في الدين ويدخل فيه، فإن يجد في صدره ضيقاً، وأي ضيق، كأنه كلف من الأعمال مالا يطيق، أو أمر بصعود السماء، وأصبح حالهم كحال الصاعد في طبقات الجو..... والمرتفع في السماء... كلما ارتفع وخف الضغط عليه شعر بضيق في النفس وحرج في القلب.
في هذه الآية القرآنية [125/سورة الأنعام] معجزة علمية، وضحت حقيقتها مؤخراً.. وهي انخفاض الضغط الجوي بالصعود في طبقات الجو، مما يسبب ضيق صدر الصاعد حتى يصل إلى درجة الاختناق، فتكون الآية تشبيه حاله معنوية بهذه الحالة الحسية التي لم تُعرف إلا في عصرنا الحاضر. ونوجز شرح هذا فيما يلي:
اكتشف تورشيللي (1608ـ 1647م) في عام 1643م أن سائل الزئبق يمكن ضخه في أنبوب إلى الأعلى بفعل الضغط الجوي حتى يصل ارتفاعه إلى 76سم [30بوصة] فقط . وعلى هذا الأساس أمكن استنتاج أن عموداً مماثلاً من الهواء وزنها مساوٍ لوزن كمية الزئبق الموجودة في الأنبوب، وذلك حتى ارتفاع 76سم. وأكد تورشيللي صحة نظريته بأن حمل عموداً من الزئبق إلى قمة جبل من الغلاف الجوي قد أصبح آنذاك تحته، ومن ثم فلن يبذل هذا الجزء أية قوة على عمود الزئبق.
ثم توصل الإنسان إلى أنه كلما ارتفع عن مستوى سطح البحر كلما نقص وزن الهواء، وذلك نتيجة لنقص سمك الغلاف الغازي من جهة، وتخلخل الهواء انخفاض كثافته من جهة أخرى.. ويتأثر هذا ـ أيضاً ـ تبعاً لاختلاف درجة الحرارة... ولم يتوصل الإنسان إلى معرفة هذا الظاهرة إلا في القرن التاسع عشر (1804م) حينما صعد بالبالون لأول مرة إلى طبقات الجو ظاناً بأن الهواء ممتد إلى مالا نهاية...!!!
لقد أصبح التفسير العلمي لظاهرة الضيق والاختلاف عند الصعود في طبقات الجو العليا معروفاً الآن بعد سلسلة طويلة من التجارب والأرصاد التي أجراها العلماء لمعرفة مكونات الهواء وخصائصه، خصوصاً بعد أن تطورت أجهزة الرصد والتحليل المستخدمة للارتفاعات المنخفضة أو المحمولة بصورايخ وأقمار صناعية لدراسة طبقات الجو العليا . وتدل القياسات على أن الغلاف الجوي ( الغازي) للأرض متماثل التركيب (التكوين)، بسبب حركة الهواء التي تؤدي إلى حدوث عمليات الخلط الرأسي والأفقي (خصوصاً على الارتفاعات المنخفضة )، فتظل نسب مكونات الهواء ثابتة تقريباً حتى ارتفاع 80 كيلومتراً.
ولقد ثبت أن الضغط الجوي يقل مع الارتفاع عن سطح الأرض، بحيث ينخفض إلى نصف قيمته تقريباً كلما ارتفعنا مسافة 5 كيلومترات عن مستوى سطح البحر، بشكل مطرد. وطبقاً لهذا، فإن الضغط الجوي ينخفض فيصل إلى ربع قيمته على ارتفاع 10 كيلومترات، وإلى 1% من قيمته الأصلية على ارتفاع 30 كيلومتراً .
كما تتناقص كثافة الهواء بدورها تناقصاً ذريعاً مع الارتفاع حتى تقارب شبه العدم عند ارتفاع 1000كيلو متراً تقريبا من سطح الأرض.
ومن ناحية أخرى، فإن الأكسجين يقل في الجو كلما ارتفعنا إلى الأعلى، نظراً لنقصان مقادير الهواء، فإذا كان الأكسجين عند السطح 200 وحدة مثلاً، فإنه على ارتفاع 10 كيلومترات ينخفض فيصل إلى 40 وحدة فقط، وعلى ارتفاع 20 كيلومتر يزداد نقصانه لتصبح قيمته 10 وحدات فقط، ثم تصل قيمته إلى وحدتين فقط على ارتفاع 30 كيلومترا.
وهكذا، يمكن أن يضيق صدر الإنسان ويختنق بصعوده إلى ارتفاعات أعلى من 10 كيلومتراً، إن لم يكن مصوناً داخل غرفة مكيفة، وذلك نتيجة لنقص الضغط الجوي، ونقص غاز الأوكسجين اللازم للتنفس.. وبدون هذه الغرفة المكيفة يصاب الإنسان بالكسل والتبلد ويدخل في حالة من السبات وفقدان الذاكرة، ويتعرض لأضرار الأشعة الساقطة عليه من خلال الغلاف الجوي ... ويصاب بحالة [ديسبارزم] فينتفخ بطنه وتجاويف جسمه، وينزف من جلده، ويتوقف تنفسه، ويتدمر دماغه، ويدخل في غيبوبة الموت.
كما أثبت علم طب الفضاء إصابة الصاعد في طبقات الجو العليا دون الاحتماء في غرفة مكيفة ـ بالإعياء الحاد، وارتشاح الرئة، وأوديما الدماغ، ونزف شبكية العين، ودوار الحركة، واضطراب التوجه الحركي في الفضاء، واحمرار البصر ثم اسوداد البصر فهو أعلى حالات " الهلوسة البصرية "، إذ الأعين موجودة وسليمة وظيفياً لكن الضوء غير موجود، حيث لا يوجد في طبقات الجو العليا سوى الظلام الحالك، فيظن الصاعد في تلك الطبقات أنه قد أصابه سحر أفقده القدرة على الإبصار، وقد يكون هذا ما يشير إليه القرآن الكريم : (ولو فتحنا عليهم ..
ونعود إلى الآية الرئيسية في موضوعنا، وهي قول الله تعالى : (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) [سورة الأنعام :125].
لنرى كم هي بليغة، وكم هي معجزة، فهي بليغة إذ تشبه حال الكافر المعاند الذي يكابر ويرفض هداية الله،وإتباع الوحي الذي أنزل على خاتم الرسل والأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا الكافر المعاند المكابر يضيق صدره كلما ابتعد عن هدي الله، أي : كلما ضل عن الطريق الإسلامي، وقد سبق أن أشرنا إلى " الحرج " بأنه أضيق الضيق، فهل تجد بعد هذا بلاغة وقوة في التعبير والتشبيه؟!
كما أنها آية معجزة، إذ أوضحت ظاهرة جوية وحقيقة فضائية لم يتوصل العلماء إلى معرفتها إلا في القرن التاسع عشر والقرن العشرين الميلاديين، وهي الضيق والاختناق لكما أرتفع الإنسان في طبقات الجو، أي : في السماء والسماء هي كل ما علاك، وهي المعنى المعروف لمعظم الناس، وهو من المعاني الصحيحة لهذه الكلمة القرآنية .. وسبحان من هذا كلامه.
---------------------------------------------------------------------
أسرار البرزخ بين البحرين والحواجز المائية
تاريخ المقال : 5/8/2010 | عدد مرات المشاهدة : 19538


بقلم العلامة الشيخ عبد المجيد الزنداني
رئيس جامعة الإيمان في صنعاء رئيس مجلس شورى حزب
الإصلاح الإسلامي وعضو سابق في مجلس الرئاسة اليمنية 
مؤسس الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة في مكة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:تضمن القرآن الكريم الذي أنزل قبل أكثر من (1400) عام بعض المعلومات عن ظواهر بحرية لم تكتشف إلا حديثاً بواسطة بعض الأجهزة المتطورة.
ففي قوله تعالى: ﴿وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً﴾[سورة الفرقان، الآية:53] وصف لنظام المصب، وتوضيح لامتزاج الماء العذب وماء البحر، وأن منطقة الامتزاج محمية ببعض القيود على ما يدخل إليها أو يخرج منها. وقد برهن العلم الحديث على خواص المصب هذه. كما برهنت علوم الأحياء الحديثة على أن هذه المنطقة هي منطقة محصورة تعيش فيها بعض الحيوانات الخاصة بهذه البيئة.
وبالإضافة إلى بيان وجود هذه الحواجز بين الماء العذب وماء البحر المالح فقد ذكر القرآن الكريم أيضاً وجود حواجز مماثلة في البحار نفسها قال تعالى: ﴿مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان﴾ [سورة الرحمن، الآية: 19-20] وتشبه هذه الحواجز الحدود المائية بين مياه المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، وبين مياه البحر الأحمر وخليج عدن وفي مواقع أخرى من بحار العالم.
المقـــدمة
علم البحار علم حديث يعنى بمختلف ظواهر عالم البحار. وبالرغم من أن الإنسان الأول كان على صلة قوية مع الأنهار والبحار إلا أنه لم يحاول فهم هذا الحقل فهماً علمياً. إذ كان اهتمامه منصباً على التعرف على خواص الأرض التي يعيش عليها، وعلى ما يحيط به من أمور أخرى سهلة المنال. وقد ذكر الفلاسفة الأوائل قبل عهد المسيح عليه السلام بعض الآراء عن الظواهر الطبيعية إلا أنهم لم يتطرقوا إلى ذكر البحار. ومع أن المفاهيم القديمة قد كونت بعض أسس العلوم الحديثة. إلا أنه لا يوجد ذكر عن القيام بأية محاولة لفهم أسرار البحار، ما عدا بعض المحاولات حول الملاحة لتسهيل أمر رحلاتهم البحرية وتجنب مخاطرها. وقد قام (بيثيس) في القرن الرابع قبل الميلاد بربط العلاقة بين القمر والمد والجزر.
وقد درس أرسطو في نفس الفترة الحياة في بحر إيجه وناقش نظريات الفلاسفة الأوائل. وقد جمع (سترابوا) بعد ذلك في القرن الثاني قبل الميلاد بعض المعلومات عن المد بطريقة غير معروفة.
وقد جاء في بحث للباحث محمد إبراهيم السمرة ما نصه:
(يحدثنا التاريخ أن العرب والفرس بعد ظهور الإسلام كانت لهم محاولات علمية في مجال علم البحار، ويذكر العالم الجغرافي ابن خرداذبة سنة (232هـ-846) ميلادية في كتابه (المسالك والممالك) أن الملاحين العرب والفرس في بحر العرب على علم بأن التيارات تعكس اتجاهها هناك مرتين في السنة. وبعد مرور مائة عام وصف المسعودي في موسوعته (مروج الذهب ومعادن الجوهر) حركات المحيط في جنوب بحر العرب قائلاً: (إن البحر الحبشي يمتد من الشرق إلى الغرب على طول خط الاستواء، وإن التيار يتغير في معظم أنحاء هذا البحر عندما تتغير الرياح الموسمية) ويحكي التاريخ أيضاً أن ابن ماجد قد دون معارفه عن بحر العرب في أربعين كتاباً، تتضمن إرشادات ملاحية، وكان ملماً بدورة الرياح في شمال خط الاستواء وجنوبه، فكيف إبرة البوصلة على قرص في علبة تضم دورة الرياح، كما كان يتحدث عن (فصول الملاحة في المحيط الهندي).
(وبالرغم من قيام الكثيرين بالعديد من الرحلات حول العالم، بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر، لكنهم لم يحاولوا توسيع دائرة معلوماتهم العلمية عن البحار.
ثم بدأ علم المحيطات يأخذ مكانه بين العلوم الحديثة عندما قامت السفينة البريطانية تشالنجر challenger برحلتها حول العالم من عام (1293هـ) (1872-1876م) ثم توالت الرحلات العلمية لاكتشاف البحار.

صورة لسفينة الأبحاث البريطانية شالنجر وبجانبها خريطة تبين المسار الذي سلكته في تجوالها

صورة تذكارية لفريق السفينة البريطانية تشالنجر
وفي نهاية القرن العشرين بدأ الأمل يزداد في فهم الإنسان للبحر عن طريق الأقمار الصناعية والتصوير عن بعد ويشهد التطور التاريخي في سير علم البحار بعدم وجود معلومات دقيقة عن البحار قبل (1400) عام، في فترة نزول القرآن الكريم على نبي أمي في أمة أمية، في صحراء جزيرة العرب، ومع ذلك فقد زخر القرآن الكريم بذكر أسرار الكون التي عرف الإنسان بعضها في عصرنا الحاضر.
 ومنها أسرار علم البحار، والتي منها ما يبينه هذا البحث فيما يأتي :
1- أسرار المصب والحاجز بين النهر والبحر
في القرآن الكريم: قال تعالى: ﴿وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً﴾ [سورة الفرقان، الآية: 53].
المعاني اللغوية وأقوال المفسرين في الآية:
اللفظ مرج يأتي بمعنيين بارزين:
الأول: الخلط
قال تعالى: ﴿بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج﴾[سورة ق، الآية:5]. وجاء في لسان العرب (أمر مريج: أي مختلط) وقال الأصفهاني في المفردات: (أصل المرج: الخلط) وقال الزبيدي: (ومرج الله البحرين العذب والمالح خلطهما حتى التقيا…).
وقال الزجاج: مرج: خلط يعني البحر الملح والبحر العذب
وقال ابن جرير الطبري: (والله الذي خلط البحرين فأمرج أحدهما في الآخر وأفاضه فيه) وأصل المرج: الخلط ومنه قول الله: (في أمر مريج) أي: مختلط. وروي عن ابن عباس في قوله تعالى: (مرج البحرين) يعني خلع أحدهما على الآخر. وعن مجاهد: أفاض أحدهما على الآخر. وعن الضحاك بمثل قول ابن عباس وذهب إلى هذا المعنى جمهور من المفسرين منهم: القرطبي وأبو حيان والآلوسي والخازن ……. ………. والرازي والشوكاني والشنقيطي.
الثاني: مجيء وذهاب واضطراب (قلق)
قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: (الميم والراء والجيم أصل صحيح يدل على مجيء وذهاب واضطراب) وقال: مرج الخاتم في الأصبع: قلق. وقياس الباب كله، منه (ومرجت أمانات القوم وعهودهم): اضطربت واختلطت. وجاء نفس المعنى في الصحاح للجوهري ولسان العرب وبذلك قال الزبيدي والأصفهاني .
(البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج)
البحر العذب هو النهر، ووصفه القرآن الكريم بوصفين: عذب، وفرات ومعناهما: أن ماء هذا البحر شديد العذوبة، ويدل عليه وصف (فرات)، وبهذا الوصف خرج ماء المصب الذي يمكن أن يقال إن فيه عذوبة، ولكن لا يمكن أن يوصف بأنه فرات.
وما كان من الماء ملحاً أجاجاً فهو ماء البحار، ووصفه القرآن الكريم بوصفين (ملح) و(أجاج) وأجاج معناه شديد الملوحة، وبهذا خرج ماء المصب لأنه مزيج بين الملوحة والعذوبة فلا ينطبق عليه وصف: ملح أجاج.
وبهذه الأوصاف الأربعة تحددت حدود الكتل المائية الثلاث:
هذا عذب فرات: ماء النهر.
وهذا ملح أجاج: ماء البحر.
وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً: البرزخ هو الحاجز المائي المحيط بالمصب.
فما هو الحجر المحجور؟
الحِجْر والحَجْر: هو المنع والتضييق
يسمى العقل حِجْراً: لأنه يمنع من إتيان ما لا ينبغي قال تعالى: ﴿هل في ذلك قسم لذي حجر﴾ [سورة الفجر، الآية:5] والسفيه يَحْجُر عليه القاضي من التصرف في ماله فهو في حِجْر أو حَجْر والكسر أفصح. وجاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "لقد تحجرت واسعاً" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد .قال ابن منظور: (لقد تحجرت واسعاً) أي ضيقت ما وسعه الله وخصصت به نفسك دون غيرك . ونستطيع أن نفهم الحجر هنا: بأن الكائنات الحية في منطقة اللقاء بين البحر والنهر تعيش في حجر ضيق ممنوعة أن تخرج من هذا الحجر.
ووصفت هذه المنطقة أيضاً بأنها محجورة أي ممنوعة، ونفهم من هذا اللفظ معنى مستقلاً عن الأول أي أنها أيضاً منطقة ممنوعة على كائنات أخرى من أن تدخل إليها فهي:
حجر (حبس، محجر) على الكائنات التي فيها.
محجورة على الكائنات الحية بخارجها.
ويكون المعنى عندئذٍ: وجعل بين البحر والنهر برزخاً مائياً هو: الحاجز المائي المحيط بماء المصب، وجعل الماء بين النهر والبحر حبساً على كائناته الحية ممنوعاً عن الكائنات الحية الخاصة بالبحر والنهر. ولم يتيسر للمفسرين الإحاطة بتفاصيل الأسرار التي ألمحت إليها الآية، لأنها كانت غائبة عن مشاهدتهم وتعددت أقوالهم في تفسير معانيها الخفية: فقال بعضهم في قوله تعالى: ﴿وهو الذي مرج البحرين﴾[سورة الفرقان، الآية:53] أي خلطهما فهما يلتقيان. ويستند هذا القول إلى المعنى اللغوي للفظ: (مرج)، وقررت طائفة أخرى من المفسرين أن معنى (وهو الذي مرج البحرين) أي (وهو الذي أرسلهما في مجاريهما فلا يختلطان.).قال ابن الجوزي: قال المفسرون: والمعنى أنه أرسلهما في مجاريهما فما يلتقيان، ولا يختلط الملح بالعذب، ولا العذب بالملح.
وقال أبو السعود: (وهو الذي مرج البحرين: أي خلاهما متجاورين متلاصقين بحيث لا يتمازجان، من: مرج دابته: أخلاها. وبمثله قال البيضاوي والشنقيطي في أحد قوليه وطنطاوي جوهري في تفسير الجواهر. والذين قرروا هذا المعنى نظروا إلى قوله تعالى: ﴿وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً﴾. وتقرير اختلاط الماءين يبدو متعارضاً مع وجود البرزخ والحجر المحجور. ولذلك رجح بعض المفسرين معنى الخلط. ورجح الآخرون معنى المنع. وكذلك الحال في تفسير البرزخ، فقد قرر بعض المفسرين أن برزخاً: حاجزاً من الأرض، وبمثله قال أبو حيان والرازي والآلوسي والشنقيطي.
ولقد رد ابن جرير الطبري هذا القول، فقال: (لأن الله تعالى ذكره أخبر في أول الآية أنه مرج البحرين، والمرج هو الخلط في كلام العرب على ما بينت قبل فلو كان البرزخ الذي بين العذب الفرات من البحرين، والملح الأجاج أرضاً أو يبساً لم يكن هناك مرج للبحرين، وقد أخبر جل ثناؤه أنه مرجهما. وبين البرزخ فقال: ﴿وجعل بينهما برزخاً﴾: حاجزاً لا يراه أحد) .وقال ابن الجوزي عن هذا البرزخ: (مانع من قدرة الله لا يراه أحد) .وقال الزمخشري : (حائلاً من قدرته) كقوله تعالى: ﴿بغير عمد ترونها﴾ [سورة الرعد، الآية:2] وبمثلهم، قال الأكثرون، منهم: القرطبي والبقاعي.
فتأمل كيف عجز علم البشر عن إدراك تفاصيل ما قرره القرآن الكريم.فمن المفسرين من ذكر أن البرزخ أرضاً أو يبساً (حاجز من الأرض) ومنهم من أعلن عجزه عن تحديده وتفصيله فقال: (هو حاجز لا يراه أحد)، وهذا يبين لنا أن العلم الذي أوتيه محمد صلى الله عليه وسلم فيه ما هو فوق إدراك العقل البشري في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد عصره بقرون وكذلك الأمر في الحجر المحجور. فقد ذهب بعض المفسرين إلى حملها على المجاز، وذلك بسبب نقص العلم البشري طوال القرون الماضية.قال الزمخشرين: (فإن قلت، حجراً محجوراً ما معناه؟ قلت: هي الكلمة التي يقولها المتعوذ وقد فسرناها، وهي هنا واقعة على سبيل المجاز كأن كل واحد من البحرين يتعوذ من صاحبه ويقول:حجراً محجوراً) وبمثل ما قال الزمخشري قال غيره من المفسرين كأبي حيان والرازي والآلوسي، والشنقيطي .
التحقيق العلمي :
شاهد الإنسان منذ القديم النهر يصب في البحر، ولاحظ أن ماء النهر يفقد –بالتدريج- لونه المميز، وطعمه الخاص كلما تعمق في البحر، ففهم من هذه المشاهدة أن النهر يمتزج بالتدريج بماء البحر، ولولا ذلك لكان النهر بحراً عذباً يتسع كل يوم حتى يطغى على البحر.
ومع تقدم العلم وانطلاقه لاكتشاف أسرار الكون أخذ يبحث عن كيفية اللقاء بين البحر والنهر، ودرس عينات من الماء حيث يلتقي النهر بالبحر، ودرس درجات الملوحة والعذوبة بأجهزة دقيقة، وقاس درجات الحرارة، وحدد مقادير الكثافة، وجمع عينات من الكائنات الحية وقام بتصنيفها، وحدد أماكن وجودها، ودرس قابليتها للعيش في البيئات النهرية والبحرية.
وبعد مسح لعدد كبير من مناطق اللقاء بين الأنهار والبحار اتضحت للعلماء بعض الأسرار التي كانت محجوبة عن الأنظار، واكتشف الباحثون أن المياه تنقسم إلى ثلاثة أنواع:
(1) مياه الأنهار وهي شديدة العذوبة.
(2) مياه البحار وهي شديدة الملوحة.
(3) مياه في منطقة المصب مزيج من الملوح والعذوبة، وهي منطقة فاصلة بين النهر والبحر متحركة بينهما بحسب مد البحر وجزره، وفيضان النهر وجفافه، وتزداد الملوحة فيها كلما قربت من البحر، وتزداد درجة العذوبة كلما قربت من النهر.
(4) يوجد برزخ مائي يحيط بمنطقة المصب ويحافظ على هذه المنطقة بخصائصها المميزة لها حتى ولو كان النهر يصب إلى البحر من مكان مرتفع في صورة شلال.
(5) عدم اللقاء المباشر بين ماء النهر وماء البحر في منطقة المصب بالرغم من حركة المد والجزر وحالات الفيضان والانحسار التي تعتبر من أقوى عوامل المزج، لأن البرزخ المحيط بمنطقة المصب يفصل بينهما على الدوام.
(6) يمتزج ماء النهر بماء البحر بصورة بطيئة مع وجود المنطقة الفاصلة من مياه المصب، والبرزخ المائي الذي يحيط بها ويحافظ على وجودها.
(7) تختلف الكتل المائية الثلاث (ماء النهر، ماء البحر، وماء المصب) في الملوحة والعذوبة، وقد شاهد الباحثون الذين قاموا بتصنيف الكائنات الحية الموجودة فيها ما يلي:
أ- معظم الكائنات التي في البحر والنهر والمصب لا تستطيع أن تعيش في غير بيئتها.
[ويوجد بعض الأنواع القليلة مثل سمك السلمون، وثعابين البحر تستطيع أن تعيش في البيئات الثلاث، ولها قدرة على أن تتكيف مع كل بيئة فعديدات الأشواك (فيفينس) وَمَعِدِيَّاتُ الأرجل (لبتورينا، نيريتا) والسركانات توجد في المصبات ولكنها يمكن أن تعيش في المناطق البحرية عند مناسبة الظروف البيئية، أما (النيريس) وهي من عديدات الأشواك، ومَعِدِيَّات الأرجل (نيريتينا، هيدروبيا) والقشريات (سيانثورا) فتعتبر حيوانات لمنطقة المصب ولا توجد في البحر، ومعظم كائنات البيئات الثلاث تموت إذا خرجت من بيئتها الخاصة بها] .
ب- وبتصنيف البيئات الثلاث باعتبار الكائنات التي تعيش فيها تعتبر منطقة المصب منطقة حجر على معظم الكائنات الحية التي تعيش فيها، لأن هذه الكائنات لا تستطيع أن تعيش إلا في نفس الوسط المائي المتناسب في ملوحته وعذوبته مع درجة الضغط الاسموزي في تلك الكائنات، وتموت إذا خرجت من المنطقة المناسبة لها، وهي منطقة المصب.
وهي في نفس الوقت منطقة محجورة على معظم الكائنات الحية التي تعيش في البحر والنهر، لأن هذه الكائنات تموت إذا دخلتها بسبب اختلاف الضغط الاسموزي Osmosis أيضاً.
وبعد: فإن هذا النظام البديع قد جعله الله تعالى لحفظ الكتل المائية الملتقية من أن يفسد بعضها خصائص البعض الآخر، ليبقى ذلك الاختلاف رحمة للناس وسائر الكائنات. وإذا كانت العين المجردة لا تستطيع أن ترى هذا الحاجز الذي يحفظ الله تعالى به منطقة المصب، فإن الأقمار الصناعية اليوم قد زودتنا بصورة باهرة، تبين لنا حدود هذه الكتل المائية الثلاث، التي تزداد وضوحاً كلما ازداد الفارق في حرارة الماء وما يحمله من مواد. (انظر الشكل).
مصب نهر Río de la في الأرجنتين تظهر منطقة الحجر المحجور بشكل واضح والتي تفصل بين النهر العذب والبحر المالح

شكل يوضح البرزخ المائي في مصب نهر فرايزر في مقاطعة كولومبيا البريطانية
[وبالرغم من أن الماء العذب يمتزج مع ماء البحر فإن هناك حدوداً على طرفي منطقة الامتزاج المحدودة، التي تفرض قيوداً على ما يدخلها أو يخرج منها.وهذا الوصف ينطبق تماماً على نظام المصب.ويوجد اليوم اختلاف حول التعريف الأساسي لهذا المصطلح، ولكن العلم الحديث أثبت وجود حدود على طرفي منطقة الامتزاج].
فانظر كيف حارت العقول الكبيرة عدة قرون –بعد نزول القرآن الكريم- في فهم الدقائق والأسرار، وكيف جاء العلم مبيناً لتلك الأسرار، وصدق الله القائل: ﴿وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها﴾ [سورة النمل، الآية:93].وانظر كيف استقر المعنى بعد أن كان قلقاً.قال تعالى: ﴿لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون﴾ [سورة الأنعام، الآية:67].
وقال تعالى: ﴿ولتعلمن نبأه بعد حين﴾ [سورة ص، الآية:88].فمن أخبر النبي الأمي في الأمة الأمية في البيئة الصحراوية حيث لا وجود لنهر ولا لمصبه عن هذه الأسرار الدقيقة عن الكتل المائية المختلفة التركيب: عذب فرات، مالح أجاج، وبينهما برزخاً وحجراً محجوراً.والحَجْر: هو المكان المحجور لكائنات حية تعيش في هذه البيئات المائية الثلاث؟!.وكم استغرق الإنسان من الزمن؟ وكم استخدم من الآلات الدقيقة والأجهزة الحديثة حتى تمكن من الوصول إلى هذه الحقائق التي جرت على لسان النبي الأمي قبل ألف وأربعمائة عام بأوجز تعبير وأوضح بيان؟من أين جاء هذا العلم لمحمد عليه الصلاة والسلام إن لم يكن من عند الذي أحاط بكل شيء علماً.
2- وصف الحاجز بين البحرين
قال تعالى: ﴿مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان* فبأي آلاء ربكما تكذبان* يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان﴾ [سورة الرحمن، الآية: 19-22].
وقال تعالى: ﴿وجعل بين البحرين حاجزاً﴾ [سورة النمل، الآية:61].
المعاني اللغوية وأقوال المفسرين:
البحرين: قال ابن فارس: (الباء والحاء والراء. قال الخليل: سمي البحر بحراً لاستبحاره وهو انبساطه وسعته… ويقال للماء إذا غلظ بعد عذوبته استبحر، وماء بحري أي مالح) .وقال الأصفهاني: (وقال بعضهم: البحر يقال في الأصل للماء المالح دون العذب). وقال ابن منظور: (وقد غلب على المالح حتى قل في العذب) .فإذا أطلق البحر دل على البحر المالح، وإذا قيد دل على ما قيد به.والقرآن يستعمل لفظ الأنهار للدلالة على المياه العذبة.ويطلق البحر ليدل على البحر المالح قال تعالى: ﴿وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار﴾[سورة إبراهيم، الآية:32].
وكذلك إذا أطلق البحر في الحديث (إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء) يقصد بذلك البحر المالح.
البرزخ:هو الحاجز: وقد ذهب أكثر المفسرين إلى أنه لا يرى.
البغي: قال ابن منظور: (وأصل البغي مجاوزة الحد) وبمثله قال الجوهري والأصفهاني .
المرجان: قال ابن الجوزي: (وحكى القاضي أبو يعلى أن المرجان ضرب من اللؤلؤ كالقضبان) وروي عن الزجاج قوله: (المرجان أبيض شديد البياض) .وقال ابن مسعود: المرجان الخرز الأحمر .وقال أبو حيان: (وقال أبو عبدالله وأبو مالك: المرجان الحجر الأحمر، وقال الزجاج: حجر شديد البياض، وحكى القاضي أبو يعلي: أنه ضرب من اللؤلؤ كالقضبان) .وقال القرطبي: (وقيل المرجان عظام اللؤلؤ وكباره قاله علي وابن عباس رضي الله عنهما، واللؤلؤ صغاره، وعنهما أيضاً بالعكس أن اللؤلؤ كبار اللؤلؤ والمرجان صغاره وقاله الضحاك وقتادة) .وقال الآلوسي: (يخرج منها اللؤلؤ: صغار الدر. والمرجان كباره) .وقد رووا ذلك عن علي ومجاهد وابن عباس، وروي أيضاً عن ابن عباس ومجاهد وقتادة العكس، (وأظن أنه إن اعتبر في اللؤلؤ معنى التلألؤ واللمعان، وفي المرجان معنى المرج والاختلاط فالأوفق لذلك ما قيل ثانياً فيهما).
وروي عن ابن مسعود أنه قال: (المرجان الخرز الأحمر).وحاصل ما سبق أن المرجان نوع من الزينة يكون بألوان مختلفة بيضاء وحمراء وكبيراً وصغيراً، وهو حجر يكون كالقضبان، وقد يكون صغيراً كاللؤلؤ أو الخرز، وهو في الآية غير اللؤلؤ، وحرف العطف بينها يقتضي المغايرة. والمرجان لا يوجد إلا في البحار المالحة.وهيا إلى النص القرآني الكريم لنرى دقائق الأسرار التي كشف عنها اليوم علم البحار: قال تعالى: ﴿مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان* فبأي آلاء ربكما تكذبان*يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان﴾ [سورة الرحمن، الآية:19-22].
تصف الآيات اللقاء بين البحار المالحة، ودليل ذلك:
أ- لقد أطلقت الآية البحرين، فدل ذلك على أن البحرين مالحان.
ب- بينت الآية الأخيرة أن البحرين يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وقد تبين أن المرجان لا يكون إلا في البحار المالحة، فدل ذلك على أن الآية تتحدث عن بحرين مالحين.
ج- عندما ذكرت منطقة اللقاء بين البحر والنهر في سورة الفرقان بينت الآية أن بينهما شيئين: (1) البرزخ، (2) الحجر المحجور، قال تعالى: ﴿وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً﴾ [سورة الفرقان، الآية:53] أما في هذه الآيات من سورة الرحمن فقد بينت أن الفاصل هو البرزخ فدل ذلك على أن اللقاء هنا بين بحرين لا بين عذب ومالح. بسبب اختلاف ما يحدث عند اللقاء في الحالتين.
فمن الذي كان يعلم أن البحار المالحة تتمايز فيما بينها رغم اتحادها في الأوصاف التي تدركها الأبصار والحواس: (مالحة-زرقاء-ذات أمواج) وكيف تتمايز وهي تلتقي مع بعضها؟ والمعروف أن المياه إذا اختلطت في إناء واحد تجانست، فكيف وعوامل المزج في البحار كثيرة من مد وجزر وأمواج وتيارات وأعاصير؟؟
والآية تذكر اللقاء بين بحرين مالحين يختلف كل منهما عن الآخر، إذ لو كان البحران لا يختلف أحدهما عن الآخر لكانا بحراً واحداً، ولكن التفريق بينهما في اللفظ القرآني دال على اختلاف بينهما مع كونهما مالحين.
و(مرج البحرين يلتقيان) أي أن البحرين مختلطان، وهما في حالة ذهاب وإياب واختلاط واضطراب. وهذا ما كشفه العلم من مد وجزر في البحار يجعلها مضطربة بأكملها في مناطق الالتقاء، لكن البحار يجعلها مضطربة بأكملها في مناطق الالتقاء، لكن البحار المختلطة تختلط مع بعضها ببطء شديد.ومن يسمع هذه الآية فقط، يتصور أن امتزاجاً واختلاطاً كبيراً يحدث بين هذه البحار يفقدها خصائصها المميزة بها. ولكن العليم الخبير يقرر في الآية بعدها ﴿بينها برزخ لا يبغيان﴾ أي ومع حالة الاختلاط والاضطراب هذا التي توجد في البحار فإن حاجزاً يحجز بينهما يمنع كلاً منهما أن يطغى ويتجاوز حده. وهذا ما شاهده الإنسان بعدما تقدم في علومه وأجهزته، فقد وجد ماء ثالثاً يختلف في خصائصه عن خصائص كل من البحرين، ويفصل كلاً من البحرين المالحين المتمايزين في خصائصهما من حيث الملوحة والحرارة، والكثافة، والأحياء المائية، وقابلية ذوبان الأوكسجين. ووجد أن هذا الحاجز المائي متحرك بين البحرين على اختلاف فصول السنة، وهذا المعنى يندرج أيضاً تحت قوله تعالى: (مرج) الذي يعني أيضاً الذهاب والإياب والاختلاط والاضطراب. ومع وجود البرزخ فإن ماء البحرين المتجاورين يختلط ببطء شديد، ولكن دون أن يبغي أحد البحرين على الآخر. لأن البرزخ منطقة تقلب فيه المياه العابرة من بحر إلى آخر لتكتسب المياه المتنقلة من بحر إلى بحر آخر صفات البحر الذي ستدخل إليه، وتفقد صفات البحر الذي جاءت منه وبهذا يمتنع طغيان بحر بخصائصه على البحر الآخر مع أنهما يختلطان أثناء اللقاء وصدق الله القائل:﴿مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان﴾.ثم انظر كيف جاء الوصف القرآني في آية سورة الفرقان مبيناً خصائص اللقاء بين البحر العذب والبحر المالح، جاء الوصف الدقيق أيضاً في آيات سورة الرحمن مبيناً خصائص اللقاء بين البحرين المالحين، فظهر في عصرنا اليوم سر تلك الفوارق الدقيقة بين الوصفين:

ما يخرج منها
الفاصل بينهما
النوع
النص

(1) بينهما برزخاً
(2) وحجراً محجوراً
عذاب فرات وملح أجاج
﴿وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً﴾
يخرج منها اللؤلؤ والمرجان
بينهما برزخ
البحرين
﴿مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان فبأي آلاء ربكما تكذبان يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان﴾

جدول يبين الفرق في الوصف القرآني لمنطقتي اللقاء بين بحرين عذب ومالح يزيد بشيء ذكره القرآن الكريم وهو: (حجراً محجوراً)، وهذا ما بينه الدارسون فيما يسمى بمصبات الأنهار التي تحاط ببرزخ مائي يفصلها عن البحر والنهر، وتعتبر منطقة حجر للكائنات الحية الخاصة بها، ومنطقة محجورة على الكائنات الحية الخاصة بالبحر والنهر.
وبينت الآية أن البحرين المذكورين فيها، يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، والمرجان لا يكون إلا في البحار المالحة، ولذلك لا توجد بين البحرين المالحين منطقة (حجراً محجوراً) على الكائنات الحية، لأن الاختلاف في درجة الملوحة ليس شديداً ليكون مانعاً لانتقال الكثير من الأحياء البحرية من بيئة إلى بيئة أخرى.
ولقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن الحاجز الذي يفصل بين البحرين المذكورين هو حاجز من قدرة الله لا يرى كما قال ابن الجوزي وغيره، وذلك يوضح عجز أكابر العلماء عن أن يحيطوا بتفاصيل ودقائق ما ذكره القرآن.
 وصدق الله القائل: ﴿ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء﴾ [سورة البقرة، الآية:255] وعندما شاء المولى أن يُري الإنسان تفاصيل هذه الآية كشف لهم قدراً من العلوم ازدادوا به علماً في هذا المجال، ومع كل كشف يتضح للإنسان حدود علمه، ولله در المفسرين الذين يقولون بعد كل تفسير والله أعلم.
وقد أشكل على المفسرين التوفيق بين وجود برزخ حاجز من طغيان بحر على الآخر وبين وجود حالة اختلاط بين البحرين وهو ما يدل عليه لفظ (مرج) لأن من قرر أن البحرين مختلطان، فقد أهمل دور البرزخ ووظيفته في منع البغي بين البحرين، ومن قرر وجود الحاجز المانع اضطر إلى تأويل لفظ (مرج) إلى معنى غير معناه الأصلي الدال على الاختلاط.
التحقيق العلمي
لقد توصل علماء البحار بعد تقدم العلوم في هذا العصر إلى اكتشاف الحاجز بين البحرين كما يلي:
هناك برزخ بين البحرين يتحرك بينهما يسميه علماء البحار (الجبهة) تشبيهاً له بالجبهة التي تفصل بين الجبهتين، وبهذا يحافظ كل بحر على خصائصه التي قدرها الله له، ويكون مناسباً لما فيه من كائنات حية تعيش في تلك البيئة.
وهناك اختلاط بين البحرين رغم وجود هذا البرزخ لكنه اختلاط بطيء يجعل القدر الذي يعبر من بحر إلى بحر آخر يتحول إلى خصائص البحر الذي ينتقل إليه، دون أن يؤثر على تلك الخصائص.
اكتشف علماء البحار سر اختلاف تركيب البحار المالحة في عام (1284هـ 1873م) على يد البعثة العلمية البحرية الإنجليزية في رحلة (تشالنجر) فعرف الإنسان أن المياه في البحار تختلف في تركيبها عن بعضها من حيث درجة الملوحة، ودرجة الحرارة، ومقادير الكثافة، وأنواع الأحياء المائية، ولقد كانت هذه الأسرار ثمرة رحلة علمية استمرت ثلاثة أعوام وهي تجوب في جميع بحار العالم.
وأقام الإنسان مئات المحطات البحرية لدراسة خصائص البحار المختلفة فقرر العلماء أن الاختلاف في هذه الخصائص يفصل مياه البحار المختلفة بعضها عن بعض، لكن لماذا لا تمتزج البحار وتتجانس رغم تأثير قوتي المد والجزر التي تحرك مياه البحار مرتين كل يوم، وتجعل البحار في حالة ذهاب وإياب، واختلاط واضطراب، إلى جانب العوامل الأخرى التي تجعل مياه البحر متحركة مضطربة على الدوام؟
ولأول مرة يظهر الجواب على صفحات الكتب العلمية في عام (1361هـ-1942م)، فقد أسفرت الدراسات الواسعة لخصائص البحار عن وجود خواص مائية تفصل بين البحار الملتقية، وتحافظ على الخصائص المميزة لكل بحر من حيث الكثافة والملوحة، والأحياء المائية، والحرارة، وقابلية ذوبان الأوكسجين في الماء، ويكون الاختلاط بين ماء البحار عبر هذه الحواجز بطريقة بطيئة، يتحول معها الماء الذي يعبر الحاجز إلى خصائص البحر الذي دخل فيه.وهكذا يحدث الاختلاط بين البحار المالحة، مع محافظة كل بحر على خصائصه وحدوده المحددة بوجود تلك الحواجز المائية بين البحار.وأخيراً تمكن الإنسان من تصوير هذه الحواجز المتحركة المتعرجة بين البحار المالحة عن طريق تقنية خاصة بالتصوير الحراري بواسطة الأقمار الصناعية.
وقد جاء في بحث الظواهر البحرية ما يلي:
إن مياه البحار بالرغم من أنها تبدو متجانسة إلا أن هناك فروقاً كبيرة بين بعض الكتل المائية في بعض مناطق البحار العالمية.
وتتحرك هذه الكتل على شكل وحدات متفرقة تفصلها عن بعضها البعض حدود واضحة وتحتفظ بخواصها رغم تحركها إلى مسافات بعيدة دون أن تمتزج مع بعضها.
صورة مأخوذة بالأقمار الصناعية لمضيق جبل طارق حيث تبين حدود مياه البحر الأبيض المتوسط الساخنة والمالحة، عند دخولها في المحيط الأطلسي ذي المياه الباردة والأقل ملوحة منها.كما توجد مثل هذه الحدود بين مياه البحر الأحمر ومياه خليج عدن.

 يوضح الرسم الأنواع المختلفة للكتل المائية في المحيطات العالمية والحدود الموجودة بينها.كما يوضح كتل المياه السطحية المختلفة في بحار العالم
وهناك نقطة مهمة أخرى وهي الفرق الدقيق بين نوعي الحاجز كما ظهر بالدراسات العلمية الحديثة ووصف وصفاً دقيقاً. إذ لا توجد بين الكتل المائية في البحار منطقة محدودة كتلك التي توجد في منطقة المصب.ومن المهم جداً أن نجد ذكراً للؤلؤ والمرجان في هذه المنطقة من البحار، وأن لا نجد مثل ذلك عند بحث (التقاء المياه العذبة مع المياه المالحة)، ويدل ذلك على أن اللؤلؤ والمرجان يتكونان في المناطق البحرية النقية ولا يتكونان في مناطق امتزاج المياه العذبة مع مياه البحر. وتؤكد الدراسات البحرية الحديثة على أن المرجان يوجد فقط في المناطق المدارية –دون الاستوائية- غير الممطرة أو قليلة المطر، ولا ينمو في مناطق المياه العذبة.ومن المدهش جداً أن نرى هذا التمييز بين المنطقتين دون الحاجة إلى فحص مياه البحار بالأجهزة الحديثة المعقدة.وللباحث محمد إبراهيم السمرة الأستاذ بكلية العلوم –قسم علوم البحار، في جامعة قطر دراسة ميدانية في خليج عمان الخليج العربي ذكر فيها نتائج دراسات كيميائية قامت بها سفينة البحوث (مختبر البحار) التابعة لجامعة قطر، في الخليج العربي وخليج عمان في الفترة (1404-1406هـ –1984-1986م) وتضمن البحث مقارنة واقعية بين الخليجين بالأرقام والحسابات والرسومات والتحليل الكيميائي، وبين اختلاف خواص كل منهما عن الآخر من الناحية الكيميائية والنباتات السائدة في كل منهما. ووضح البحث وجود منطقة بين الخليجين تسمى في علوم البحار (منطقة المياه المختلطة) Mixed-Water Area (منطقة البرزخ).
وبينت النتائج أن عمود الماء في هذه المنطقة يتكون من طبقتين من المياه، إحداهما سطحية أصلها من خليج عمان، والأخرى سفلية أصلها من الخليج العربي. أما في المناطق البعيدة والتي لا يصل إليه تأثير عملية الاختلاط (Mixing) بين الخليجين فإن عمود الماء يتكون من طبقة واحدة متجانسة وليس من طبقتين.وأكدت النتائج أنه برغم هذا الاختلاط (في المناطق التي بها مياه مختلطة)، وتواجد نوعين من المياه فوق بعضهما البعض فإن حاجزاً ثابتاً له استقرار الجاذبية وقوتها (Gravitational Stability) يقع بين طبقتي المياه، ويمنع مزجهما أو تجانسهما حيث يتكون بذلك مخلوط غير متجانس (Heterogeneous Mixture)، وأوضحت النتائج أن هذا الحاجز إما أن يكون في الأعماق (من 10إلى50متر) إذا كان اختلاط مياه الخليجين رأسياً أي أن أحدهما فوق الآخر، وإما أن يكون هذا الحاجز على السطح إذا تجاوزت المياه السطحية لكل من الخليجين. (انظر الأشكال: رقم (5،6،7).
أوجه الإعجاز في الآيات السابقة
مما سبق يتبين:
أن العلماء الدارسين لمناطق اللقاء بين الأنهار والبحار (مناطق المصبات) اكتشفوا أن ماء النهر والبحر في منطقة اللقاء بينهما في حالة ذهاب وإياب واختلاط واضطراب، ويفصل بينهما ماء المصب الذي يعتبر حجراً على الكائنات الحية التي فيه محجوراً على الكائنات الخاصة بالبحار والأنهار، وأن ماء المصب محاط ببرزخ مائي يفصل بين البحر والنهر.
وذلك ما قرره القرآن الكريم قبل ألف وأربعمائة عام على لسان نبي أمي عاش في أرض صحراوية ليس فيها نهر ولا مصب، قال تعالى: ﴿وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينها برزخاً وحجراً محجورا﴾.فهل تيسر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في زمنه من أبحاث وآلات ودراسات ما تيسر للعلماء الذين اكتشفوا تلك الأسرار بالبحث والدراسة؟؟والواقع أن الذي تيسر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر من ذلك فقد جاءه النبأ من العليم الخبير الذي أنزل عليه: ﴿قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض﴾ [سورة الفرقان، الآية:6].ولقد دل الوصف التاريخي في أول البحث عن تطور علوم البحار على عدم وجود أية معلومات علمية في هذا الموضوع قبل أربعة عشر قرناً من الزمان عند نزول القرآن الكريم على رسول الله .كما أن علوم البحار لم تتقدم إلا في القرنين الأخيرين وخاصة في النصف الأخير من القرن العشرين. وقبل ذلك كان البحر مجهولاً مخيفاً تكثر عنه الأساطير والخرافات، وكل ما يهتم به راكبوه هو السلامة، والاهتداء إلى الطريق الصحيح أثناء رحلاتهم الطويلة، وما عرف الإنسان أن البحار المالحة بحار مختلفة إلا في الأربعينات من هذا القرن، بعد أن أقام الدارسون آلاف المحطات البحرية لتحليل عينات من مياه البحار، وقاسوا في كل منها الفروق في درجات الحرارة، ونسبة الملوحة، ومقدار الكثافة، ومقدار ذوبان الأوكسجين في مياه البحار في كل المحطات فأدركوا بعدئذٍ أن البحار متنوعة.وما عرف الإنسان البرزخ الذي يفصل بين البحار المالحة، إلا بعد أن أقام محطات الدراسة البحرية المشار إليها، وبعد أن قضى وقتاً طويلاً في تتبع وجود هذه البرازخ المتعرجة المتحركة.
التي تتغير في موقعها الجغرافي بتغير فصول العام.وما عرف الإنسان أن ماءي البحرين منفصلان عن بعضهما بالحاجز المائي، ومختلطان في نفس الوقت إلا بعد أن عكف يدرس بأجهزته وسفنه حركة المياه في مناطق الالتقاء بين البحار، وقام بتحليل تلك الكتل المائية في تلك المناطق.وما قرر الإنسان هذه القاعدة على كل البحار التي تلتقي إلا بعد استقصاء ومسح علمي واسع لهذه الظاهرة التي تحدث بين كل بحرين.فهل كان يملك رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المحطات البحرية، وأجهزة تحليل كتل المياه، والقدرة على تتبع حركة الكتل المائية المتنوعة؟.وهل قام بعملية مسح شاملة، وهو الذي لم يركب البحر قط، وعاش في زمن كانت الأساطير هي الغالبة على تفكير الإنسان وخاصة في ميدان البحار؟؟وصدق الله القائل: ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد﴾ [سورة فصلت، الآية:53].
هذا والله تعالى أعلم
المراجع القرآن الكريم:
الجامع لأحكام القرآن: ط دار إحياء التراث العربي بيروت. جامع البيان: ط دار الفكر بيروت.روح المعاني للآلوسي: ط دار الفكر بيروت. الفخر الرازي ط دار إحياء التراث العربي بيروت.البحر المحيط لأبي حيان:ط دار الفكر بيروت. فتح القدير للشوكاني: ط دار المعرفة بيروت. أضواء البيان للشنقيطي: الرياض.الكشاف للزمخشري: ط دار المعرفة بيروت. نظم الدرر: للبقاعي: زاد المسير: ط المكتب الإسلامي بيروت.
تفسير أبي السعود: ط دار إحياء التراث العربي بيروت. تفسير ابن كثير: ط دار الكتب العلمية بيروت. مجموعة التفاسير:الجواهر: طنطاوي جوهري. مسند أحمد: تحفة الأحوذي: سنن أبي داود: سنن الترمذي: سنن ابن ماجة: سنن الدارمي: سنن النسائي:
المفردات للأصفهاني: لسان العرب: ط دار صادر بيروت. تاج العروس: ط دار الفكر للنشر والتوزيع. الصحاح للجوهري: القاهرة.مقاييس اللغة: ط مكتبة ومطبعة الحلبي – مصر. الأعلام للزركلي: بحث أوجه الإعجاز في ملتقى البحرين: للزنداني.
بحث أوجه الإعجاز في اللقاء بين البحر والنهر: للزنداني. بحث مرج البحرين يلتقيان: لمحمد إبراهيم السمرة.بحث الظواهر البحرية: للزنداني، د. رار.
المراجع العلمية :
Where the rivers meet the sea: the transition from salt to fresh water is turbulent, vulnerable, and incredibly bountiful.

Where the rivers meet the sea: the transition from salt to fresh water is turbulent, vulnerable, and incredibly bountiful.

Where the Rivers Meet the Sea











هناك تعليقان (2):

  1. حقيقى جزاك الله كل خير ايها الناشر لعلهم يقرأون

    ردحذف
  2. Hello, from the new 2017, the water still intrigues.

    The natural cycle of water is:
    - evaporation
    - decomposition of the UV vapor in ↖H2 + O↗ free)
    Www.google.dz/search?q=photolysis.
    - compressions (ascending and descending air currents)
    - explosive synthesis (H2 + O -> H2O)
    - condensation-rain.

    1- Scientists have always said that water vapor (H2O, water in the gaseous state) rises so that at a certain altitude it condenses and falls in the form of rain.
    If this were the case, a thick and dense fog would be formed from the earth to the height of the clouds, and our sight would have been very small and it would have been much better in summer, Evaporation is greater than in winter.

    2- You will immediately tell me that the water in the gaseous state is invisible and therefore does not interfere with our sight.
    I would say that UV decomposition (photolysis) is even more invisible, so you can not deny that.
    references:
    - http://biologiedelapeau.fr/spip.php?mot162 (Lloyd)

    - www.google.dz/search?q=photolysis.

    (H2O + hv → ↖H2 + O↗),
    Both are lighter than air, so they must escape in height.
    Density of air (29/29 = 1),
    Density of an H atom (1/29 = 0.034) or an H2 molecule (2/29 = 0.068), it will hold the highest because the lightest,
    Density of an atom O (16/29 = 0.551), it will hold below, less light than hydrogen.

    I guess your question "if the steam has decomposed entirely, where does the rainwater come from?"

    I answer if you allow in a single page (drawings included),
    - http://pdf.lu/WcUq

    A- Steam:
    Of water does not rise as such (H2O) in the gaseous state but it is squarely decomposed into free H2 and O as mentioned above.

    B- The rain:
    The upward and downward air currents constitute two opposing mechanical forces from which compression, these two gases are subjected to stirring, friction and the effect of solar radiation, all ionizing agents and at a favorable rate of compression, Hydrogen and oxygen combine in a real explosive chemical reaction (the synthesis of water is explosive), the water is born, it forms the clouds.
    First we perceive the light spark of the explosion that is the lightning (speed of light), then the sound of the explosion (thunder, speed of sound), then arrives the rain (lower drop speed The first two).
    When a thunderstorm erupts, it is observed that an intimately strong link unites the lightning + the thunder + the rain, they are done in a single operation, the condensation only comes after the birth of the water (cloud), it rains In large drops (storm rain), the amount of water remaining is carried by the winds to areas where it will rain by coalescent condensation without lightning or thunder.


    C- Lightning: what we call:

    a- Positive charges or positive cloud is ionized hydrogen (it yields its cells to oxygen).

    b- Negative loads or negative cloud is monoatomic oxygen negatively ionized (it aquiert the electrons yielded by hydrogen).

    c- An average of 302,400,000 thunderstorms occur in 24 H and each storm cell produces an average of 100 flashes per minute, that is to say 30,240,000,000 in 24 H
    (Www.planetouttoscope.com)
    Water is produced as often as lightning occurs, and it rains all the time somewhere.

    The debate was reopened.
    I am prepared to answer all the questions that will be raised and I am aware that they are plural.

    Regards,
    Mokhtar

    ردحذف